وقوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي
نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ﴾[البينة: 6].
وقوله {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ
وَٱلۡأُمِّيِّۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ﴾[آل عمران: 20].
وليس أَحدٌ بعد مَبعَث مُحمَّد صلى الله عليه وسلم إلاَّ من
الذين أوتوا الكتاب أو الأُمِّيِّين، وكلُّ أمَّة لم تَكُن من أهل الكتاب فهم من الأُمِّيِّين،
كالأُمِّيِّين من العَرَب ومن الخَزَر والصَّقَالِبَة والهِند والسُّودان،
وغَيرِهم من الأُمَم الذين لا كتاب لهم؛ فهَؤُلاءِ كلُّهم أُمِّيُّون، والرسول
مبعوثٌ إليهم كما بُعِث إلى الأُمِّيِّين العَرَب.
وقوله: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ﴾[آل عمران: 20] وهو إنَّما يُخاطِب المَوجودِين في زَمانِه بعد
النَّسخِ والتَّبدِيل؛ يدلُّ على أن مَن دَانَ بدين اليهود والنَّصارى فهو من
الذين أوتوا الكتاب، لا يختَصُّ هذا اللَّفظُ بما كانوا مُتَمَسِّكين به قبل
النَّسخِ والتَّبديلِ، ولا فَرْقَ بين أَولادِهِم وأَولادِ غَيرِهم؛ فإنَّ
أَولادَهُم إذا كانوا بعد النَّسخِ والتَّبديلِ ممَّن أُوتُوا الكِتابَ بقوله: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ﴾[آل عمران: 20]،
وهو لا يُخاطِب بذلك إلاَّ مَن بَلَغَتْه رِسالَتُه لا مَن مات.
فدلَّ ذلك على أنَّ قوله: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ﴾[المائدة: 5] يتناول هَؤُلاءِ كُلَّهم كما هو مذهب للجُمهُور من
السَّلَف والخلف، وهو مذهب مالكٍ وأبي حَنيفَةَ، وهو المنصوص عن أحمدَ في عامَّةِ
أَجوِبَته، لم يَختَلِف كلاَمُه إلاَّ في نَصارَى بني تَغْلِبَ، وآخِرُ الرِّوايَتَيْن
عنه أنهم تُباح نِساؤهم وذبائحُهم كما هو قول جُمهُور الصحابة.
وقوله في الرواية الثانية: لا تباح؛ متابعةً لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه لم يَكُن لأَجلِ النَّسَب، بل لِكَونِهِم لم يَدخُلوا في دين أهل الكتاب إلاَّ فيما يشتهونه من شُربِ الخَمر ونحوه، ولكن بعض التابعين ظنَّ أنَّ ذلك
الصفحة 3 / 458