×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 ثم انتقل الشيخ إلى مسألةٍ فقهِيَّة، وهي مَن ينطبق عَلَيه اسمُ أَهلِ الكِتابِ، فقال: وقوله: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ[آل عمران: 20]، وهو إنَّما يُخاطِب المَوجُودين في زَمانِه بعد النَّسخ والتَّبديل يدلُّ على أنَّ مَن دَانَ بدين اليهود والنصارى فهو من الذين أوتوا الكتاب، لا يختَصُّ هذا اللفظُ بمَن كانوا مُتَمَسِّكين به قبل النَّسخِ والتَّبديل ممَّن أوتوا الكتاب، فكَذلِكَ غَيرُهم إذا كانوا كلُّهم كفارًا، وقد جَعَلهم من الذين أوتوا الكتاب، بقوله: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ[آل عمران: 20]، وهو لا يُخاطِب بذلك إلاَّ مَن بَلَغَتْهُ رسالَتُه لا مَن مات، فدل على أن قوله: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ[المائدة: 5]، يتناول هَؤُلاءِ كُلَّهم كما هو مذهب الجُمهُور من السَّلَف والخلف وهو مَذهَب مالكٍ وأبي حَنِيفَة وهو المَنصُوص عن أَحمَد في عامَّة أَجوِبَتِه لم يختلف كلامُه إلاَّ عن نصارى بني تَغْلِبَ،

وآخِرُ الرِّوايَتَيْن عنه أنهم تُباح نساؤهم وذبائحهم كما هو قول جُمهُور الصحابة، وقوله في الرواية الأخرى: لا تُباح متابعةً لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لم يَكُن لأجل النَّسَب بل لكَونِهِم لم يدخلوا في دين أهل الكتاب إلاَّ فيما يشتهونه من شُربِ الخمر ونَحوِه، لكن بعض التابعين «يعني لهذا المذهب» ظنَّ أن ذلك من أجل النَّسَب كما نُقِل عن عطاءٍ، وبه قال الشَّافعيُّ ومَن وَافَقَه من أصحاب أحمد، وفرَّعوا على ذلك فُروعًا: كمن كان أحد أَبَوَيْه كتابيًّا والآخَرُ ليس بكتابيٍّ، ونحو ذلك، حتى لا يُوجَد في طائفة من كُتُب أصحاب أحمد إلاَّ هذا القول وهو خطأ على مذهبه مُخالِف لنُصوصِه، فهو لم يُعلِّق الحُكم بالنَّسَب في مِثْلِ هَذِه أَلْبَتَّة.


الشرح