إَّنه استُعِير للشجاع
والبليد والجَوادِ، وهذه لا تُستعمَل إلاَّ مؤلَّفة مركَّبة مقيَّدة بقُيود
لفظِيَّة كما تُستعمَل الحقيقة.
كقول أبي بكر الصديق عن أبي قتادة لمَّا طَلَب غَيرُه سَلَبَ
القَتيلِ: «لاَهَا اللَّهِ إِذًا لاَ
يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ
وَعَنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ» ([1]).
فقوله: «يَعْمِدُ إِلَى
أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ»
وصفٌ له بالقوة للجِهادِ في سَبيلِه، وقد عيَّنه تعيينًا أزالَ اللَّبْس.
وكَذلِكَ قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ خَالِدًا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ
سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» ([2])، وأمثال ذلك.
فإن قيل: القَرائِن اللَّفظِيَّة مَوضُوعة ودَلالاَتُها
مَوضُوعة ودَلالاَتُها على المعنى حقيقة، لكنَّ القَرائِنَ الحالِيَّة مجازٌ.
قيل: اللَّفظُ لا يُستعمَل قطُّ إلاَّ مقيَّدًا بقُيودٍ
لفظِيَّة مَوضُوعةٍ، والحالُ حالُ المُتكلِّم والمُستمِع لا بُدَّ مِن اعتِبارِه
في جِميعِ الكَلامِ، فإنَّه إذا عُرِف المُتكلِّم فُهِم من مَعنى كَلامِه ما لا
يُفهَم إذا لم يُعرَف؛ لأنَّه بذلك تُعرَف عَادَتُه في خطابِه، واللَّفظُ إنَّما
يدلُّ على إذا عُرِف لغةَ المتكلِّم التي بها يتكلَّم وهي عادَتُه وعُرفُه التي
يعتادُها في خِطابِه، ودلالة اللَّفظ على المعنى قَصدِيَّة إرادِيَّة
اختِيارِيَّة، فالمتكلِّم يريد دلالة اللَّفظِ على المعنى، فإذا اعتاد أن يعبِّرَ
باللَّفظِ عن المعنى كانت تلك لُغَتَه.
ولهذا كلُّ مَن له عناية بأَلفاظِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم ومُرادِه بها عَرَف عادَتَه في خطابِهِ وتبيَّن له من مُرادِه ما لا يتبيَّن لغَيرِه.
([1])أخرجه: البخاري رقم (3142)، ومسلم رقم (751).
الصفحة 18 / 458