وكَذلِكَ قوله تعالى: {وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰٓ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ
لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدٗا﴾[الكهف: 59].
وقال تعالى: {أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ
قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا﴾[البقرة: 259]،
فهذا المكان لا السَّكَن، لكن لا بُدَّ أن يُلحَظَ أنَّه كان مسكونًا، فلا يسمَّى
قرية إلاَّ إذا كان قد عُمِرَ للسُّكْنَى، مأخوذٌ من القَرْيِ وهو الجَمْعُ، ومنه
قولهم: قَرَيتُ الماءَ من الحَوضِ إذا جَمَعتُه فيه.
ونظير ذلك: لفظ «الإِنسان» يتناول الجَسَد والرُّوح، ثم الأحكام
تتناول هذا تارةً وهذا تارةً لتَلازُمِهِما؛ فكَذلِكَ القرية إذا عُذِّب أَهلُها
خَرِبت، وإذا خَرِبت كان عذابًا لأَهلِها، فما يُصِيب أَحَدَهُما من الشَّرِّ ينال
الآخَرَ كما ينال البَدَنَ والرُّوح وما يصيب أحدهما.
فقوله: {وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ﴾[يوسف: 82] مثل قوله: {قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ
مُّطۡمَئِنَّةٗ﴾[النحل: 112]
فاللَّفظُ هنا يراد به السكان من غير إضمارٍ ولا حذفٍ.
فهذا بتقدير أن يكون في اللُّغة مَجازٌ فلا مَجازَ في القرآن.
بل وتَقسِيم اللُّغة إلى حقيقةٍ ومجازٍ مُبتَدَع مُحدَث لم
يَنطِق به السَّلَف، والخَلَف فيه على قَولَين، وليس النزاع فيه لفظيًّا، بل يقال:
نَفْس هذا التقسيم باطِلٌ لا يتميَّز هذا عن هذا؛ ولهذا كان كل ما يَذكُرونه من
الفُروقِ تبيَّن أنَّها فُروقٌ باطِلَة، وكلَّما ذَكَر بعضُهُم فرقًا أَبطَله
الثَّانِي.
وقولهم: اللَّفظ إن دلَّ بلا قرينةٍ فهو حقيقة، وإن لم يدُلَّ
إلاَّ معها فهو مجازٌ؛ قد تبيَّن بُطلانُه، وأنَّه ليس من الأَلفاظِ الدَّالَّة ما
يدلُّ مجرَّدًا عن جَميعِ القَرائِن، ولا فيها ما يحتاج إلى جَميعِ القَرائِن.
وأَشهَرُ أَمثِلَة المَجـازِ: لفظُ الأسَدَ والبَحْر، ونحو ذلك مما يقولون: