×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ولهذا كان الاستِهزَاءُ بهم فِعْلاً يستحِقُّ هذا الاسم كما روى ابن عباس: أنَّه يُفتَح لهم باب من الجنَّة وهم في النَّار فيُسرِعون إليه فيُغلَق، ثمَّ يُفتَحُ لهم بابٌ آخَرُ فيُسرِعون إليه فيُغلَق فيَضحَكُ منهم المؤمنون، قال تعالى: {عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ٣٥هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٣٦[المطففين: 35- 36].

ومن الأَمثلِة المَشهُورة لمَن يُثبِت المَجاز في القُرآنِ: {وَسۡ‍َٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ[يوسف: 82] قالوا: المُرادُ به أَهلُها فحُذِف المضافُ وأُقِيم المُضافُ إليه مَقامَه.

فقيل لهم - يعني في الرَّدِّ عليهم -: لفظُ القرية والمدينة والنهر والمِيزابِ وأمثال هَذِه الأمور التي فيها الحالُّ والمَحالُّ كِلاهُما داخلٌ في الاسم، ثم قد يعود الحُكْم على الحالِّ وهم السُّكان، وتارةً على المحلِّ وهو المكان، وكَذلِكَ في النهر يقال: حَفَرْت النَّهر وهو المحلُّ وجَرَى النَّهر وهو الماء، ووَضعتُ المِيزابَ وهو المحلُّ، وجرى المِيزَابُ وهو الماء.

وكَذلِكَ القرية، قال تعالى: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ[النحل: 112].

وقوله: {وَكَم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأۡسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ ٤فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ٥[الأعراف: 4- 5].

وقال في آية أخرى: {أَفَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰٓ أَن يَأۡتِيَهُم بَأۡسُنَا بَيَٰتٗا وَهُمۡ نَآئِمُونَ[الأعراف: 97]؛ فجعل القُرى هم السُّكان.

وقال: {وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ[محمد: 13]، وهم السُّكان.


الشرح