×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 الذي يَلبِس البدن؛ فلو قيل: فأذاقها الله الجوعَ والخوفَ لم يدلَّ ذلك على أنه شاملٌ لجميع أجزاء الجائع؛ بخلاف ما إذا قيل: لباس الجوع والخوف، ولو قال: فأَلْبَسَهم الله، لم يَكُن فيه ما يدلُّ على أنَّهم ذاقوا ما يؤلمهم إلاَّ بالعقل من حيث إنَّه يُعرَف أن الجائع الخائف يألَمُ، بخِلافِ لفظِ ذَوقِ الجُوعِ والخوف؛ فإنَّ هذا اللفظَ يدلُّ على الإحساس بالمُؤلِم، وإذا أُضِيف إلى الملذِّ دلَّ على الإحساس به؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «ذَاقَ طَعْمَ الإِْيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِْسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا» ([1]).

وكَذلِكَ ما ادَّعَوا أنه مَجازٌ في القرآن كلَفظِ المَكرِ والاستِهزَاءِ والسُّخرِيَة المُضافِ إلى الله، وزَعَمُوا أنه مسمًّى باسمٍ ما يقابِلُه على طريق الـمَجازِ، وليس كَذلِكَ، بل مُسمَّيات هَذِه الأَسماءِ إذا فُعِلت بمَن لا يستحِقُّ العُقوبَة كانت ظُلمًا له، وأمَّا إذا فُعِلت بمَن فَعَلها بالمَجنيِّ عَلَيهِ عُقوبةً له بمِثْلِ فِعْلِه كانت عدلاً، كما قال الله تعالى: {كَذَٰلِكَ كِدۡنَا لِيُوسُفَۖ[يوسف: 76]، فكاد له كما كادت إِخوَتَه لمَّا قال له أبوه: {لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ[يوسف: 5]، قال تعالى: {إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا ١٥وَأَكِيدُ كَيۡدٗا ١٦[الطارق: 15- 16]، وقال تعالى: {وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا وَمَكَرۡنَا مَكۡرٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ٥٠فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ أَنَّا دَمَّرۡنَٰهُمۡ وَقَوۡمَهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٥١[النمل: 50- 51]، وقال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ[التوبة: 79].


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (34).