وهذا عُمدَة المُرجِئَة والجَهمِيَّة والكَرَّامِيَّة وكلِّ مَن
لم يُدخِل الأعمالَ في اسمِ الإِيمَان.
ونحن نجيب بجوابين:
أَحَدُهُما: كلام عامٌّ في
لَفْظِ الحَقِيقَة والمَجازِ.
والثَّانِي: ما يختَصُّ
بهذا الموضوع.
فبتَقدِيرِ أن يَكُون أَحدُهُما مَجازًا، ما هو الحَقِيقَة من
ذلك من المَجازِ؟ هل الحَقِيقَة هو المُطلَق أو المقيَّد أو كِلاهُما حقيقةٌ؟
حتَّى يُعرَف أنَّ لفْظَ الإِيمَان إذا أُطلِق على ماذا يُحمَل؟
فيقال: أولاً: تَقسِيم الأَلفاظِ الدَّالَّة على مَعانِيها إلى
حقيقةٍ ومجازٍ، وتَقسيمُ دَلالَتِها أو المعانِي المَدلُول عَلَيها، تقسيمٌ حادِثٌ
بعدَ انقِضاءِ القُرونِ الثَّلاثَةِ، لم يتكلَّم به أحدٌ من الصَّحابة ولا
التَّابعين لهم بإحسانٍ، ولا أحدٍ من الأَئِمَّة المُشهُورين في العالَمِ كمالِكٍ
والثَّورِيِّ والأَوزاعِيِّ وأبي حَنِيفَة والشَّافِعِيِّ، بل ولا تكلَّم به
أئِمَّة اللُّغة والنَّحوِ كالخَليلِ وسِيبَوَيْهِ وأبي عَمرِو بن العَلاءِ
ونَحوِهم، وأوَّلُ مَن عُرِف أنَّه تكلَّم بلَفْظِ المجاز أبو عُبَيْدَةَ: مَعْمَر
بنُ المُثَنَّى في «كتابه»، ولكن لم يَعْنِ بالمَجازِ ما هو قَسِيمُ الحَقِيقَة،
وإنَّما عَنَى بمَجازِ الآيَةِ ما يُعَبَّر به عن الآية.
ولهذا قال مَن قال من الأُصولِيِّين كأبي الحُسَين البصري
وأمثالِهِ: إنَّها تُعرَف الحَقِيقة من المَجازِ بطُرُقٍ منها: نَصُّ أَهلِ
اللَّغةِ على ذلك بأن يَقُولوا: هذا حقيقة وهذا مجازٌ.
وقد تكلَّم بلا علمٍ؛ فإنَّه ظنَّ أنَّ أهلَ اللُّغَة قالوا هذا
ولم يَقُل ذلك أحدٌ من أَهلِ اللُّغَة ولا مِن سَلَف الأُمَّة وعُلَمائِها،
وإنَّما هذا اصطِلاحٌ حادِثٌ.