والغالِبُ أنَّه كان من جِهَة المُعتَزِلَة ونَحوِهم من
المُتكلِّمين؛ فإنَّه لم يُوجَد هذا في كلام أحدٍ من أهل الفقه والأصول والتَّفسير
والحديث ونَحوهِم من السَّلَف.
وهذا الشَّافِعِيُّ هو أوَّلُ مَن جرَّد الكَلامَ في أصول الفقه
لم يُقَسِّم هذا التَّقسيمَ، ولا تكلَّم بلَفْظِ الحَقِيقَة والمَجازِ، وكَذلِكَ
مُحمَّد بن الحَسَن له في المسائِلِ المَبنِيَّة على العربيَّةِ كلامٌ معروف في «الجامع
الكبير» وغَيرِه، ولم يتكلَّم بلَفْظِ الحَقِيقَة والمَجازِ.
وكَذلِكَ سائر الأَئِمَّة لم يُوجَد لَفْظُ المَجازِ في كَلامِ
أحدٍ منهم إلاَّ في كَلامِ أحمَدَ بن حنبلٍ؛ فإنَّه قال في كتاب «الرد على
الجَهمِيَّة» في قوله: «إنَّا» و«نحن» ونحو ذلك في القرآن: هذا من مَجازِ
اللُّغَة، يقول الرَّجل: إنَّا سنعطيك، إنَّا سنفعل.
فذَكَر أنَّ هذا من مَجازِ اللُّغَة، وبهذا احتج على مذهبه من
أصحابه مَن قال: إنَّ في القرآن مَجازًا كالقاضي أبي يَعلَى وابنِ عَقيلٍ وأبي
الخطَّابِ وغَيرِهم، وآخَرُون من أصحابِه مَنَعوا أن يكون في القرآن مجازٌ كأبي الحَسَن
الخَرزِيِّ، وأبي عبد الله بن حامدٍ وأبي الفَضلِ التَّمِيمي بن أبي الحَسَن
التَّميمِيِّ.
وكَذلِكَ منع أن يكون في القرآن مجاز مُحمَّد بن خُوَيْزِمَنْدَادَ وغَيرُه من المالِكِيَّة ومَنَع منه داودُ بنُ عليِّ وابنُه أبو بكر ومُنذِر بن سعيد البَلُّوطِيُّ وصنَّف فيه مصنَّفًا، وحكى بعضُ النَّاس عن أحمد فيه رِوايَتَيْن، وأمَّا سائِرُ الأَئِمَّة فلم يَقُل أحدٌ منهم ولا من قُدَماء أصحاب أحمد إنَّ في القُرآنِ مجازًا، لا مالِكٌ ولا الشَّافعيُّ ولا أبو حنيفة.