×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

دَعْوَاه النبوةَ ظَهَرَتْ عَلى يَدَيهِ الآياتُ الدَّالَّةُ على صِدقِه وأنَّ مَا يَجِيءُ بِه معَ دَعْوَى النبوَّةِ يُثْبِتُ أنه نَبِيٌّ صادقٌ، قيلَ له: كلٌّ مِن هاتَينِ الطريقَتَينِ دَليلٌ يُثبتُ نُبوَّةَ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم بِطَريقِ الأَوْلَى.

فإنَّه مِن المَعلومِ أنَّ الذينَ نَقَلُوا ما دَعَا إليه مُحَمدٌ صلى الله عليه وسلم مِن الدينِ والشريعَةِ، ونَقَلُوا ما جَاء بِه مِن الآياتِ المُعجِزَاتِ أعظمَ من الذينَ نقَلُوا مثلَ ذلك عَن مُوسَى وعِيسَى، بل مَنْ نَظَرَ بِعقلِه فِي هَذَا الوقتِ إِلَى مَا عِندَ المُسلِمينَ مِنَ العِلمِ النافِعِ والعَمَلِ الصَّالِحِ وما عندَ اليهودِ والنَّصَارَى عَلِمَ أنَّ بَيْنَهُما مِنَ الفَرقِ أعْظَمَ مِمَّا بَيْنَ العِرقِ والدّمِ؛ فإنَّ الذي عندَ المُسلمينَ مِن تَوحيدِ اللهِ ومَعْرِفَةِ أَسْمَائِه وصِفَاتِه ومَلائِكَتِه وكُتُبِه وأَنْبِيَائِه ورُسُلِه ومعرفَةِ اليومِ الآخِرِ وصِفةِ الجنَّةِ والنارِ والثوَابِ والعِقَابِ والوَعْدِ والوَعِيدِ أعظمُ وأجلُّ بكثيرٍ مِمَّا عندَ اليَهودِ والنصَارَى، وهذا بيِّنٌ لكُلِّ مَن يَبْحَثُ عن ذَلِكَ، وما عندَ المُسلمينَ مِنَ العِبَاداتِ الظاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، مثلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ وغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَواتِ والأذكَارِ والدَّعَوَاتِ أعْظَمُ وأَجَلُّ مِمَّا عندَ أهلِ الكِتابِ: فالمُسلِمُون فَوقَهم فِي كلِّ نافعٍ وعملٍ صالِحٍ، وهذا يَظْهَرُ لِكُلِّ أحدٍ بأدنى نَظَرٍ ولا يَحْتَاجُ إلى كَثيرِ سَعْيٍ، والمُسلِمُون مُتَّفِقُون على أنَّ كُلَّ هُدًى وخيرٍ يَحْصُل لَهُم فإنَّما حَصَل بِنَبِيِّهم صلى الله عليه وسلم؛ فكيفَ يُمْكِنُ معَ هَذا أَنْ يَكُونَ مُوسَى وعِيسَى نَبِيَّينِ، ومُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِنَبِيٍّ؟ وأنَّ اليَهُودَ والنَّصَارَى على الحَقِّ «يعني والمُسلِمُونَ لَيْسَ كَذَلِكَ»؛ فَمَا هُم عليه مِنَ الهُدَى ودينِ الحَقِّ أعظمُ مِمَّا عندَ اليَهُودِ والنصَارَى، وذلكَ إنَّمَا تَلَقًّوه عَنْ نَبِيِّهِم، وهذا القَدْرُ يَعْتَرِفُ به كُلُّ عَاقلٍ مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى يَعْرِفُونَ بِأنَّ دِينَ المُسلِمينَ حَقٌّ، وأنَّ مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَسُولُ اللهِ، وأنَّ مَن أطَاعَهُ مِنهُم دخَلَ الجَنَّةَ، بل يَعْتَرِفُونَ بِأنَّ دِينَ الإسْلامِ خَيْرٌ مِن دِينِهِم.


الشرح