فَكانَ مِمَّا كَلَّمُوا به الجَهْمَ أن قالُوا: أَلَسْتَ تَزْعُم
أنَّ لك إِلهًا؟ قال الجَهْمُ: نعم، فَقَالُوا له: فَهَلْ رَأَيْتَ إِلَهَكَ؟ قال:
لا، قَالُوا: فَهَلْ سَمِعْتَ كَلامَهُ؟ قَال: لا، قَالُوا: فَهَلْ شَمَمْتَ لَه
رَائِحَةً؟ قَالَ: لاَ، قَالُوا له: فَوَجَدْتَ لَه مَجَسًا؟ قال: لا، قَالُوا:
فَمَا يُدْرِيكَ أنه إلهٌ؟ فتَحَيَّرَ الجَهْمُ، فلم يَدْرِ مَن يَعْبُدُ أربعينَ
يَومًا، ثُمَّ اسْتَدْرَك حُجَّةً مِثلَ حُجَّةِ زنادِقَةِ النَّصَارَى، فَذَلك
أَنَّ زَنَادِقَةَ النَّصَارى يَزْعُمُون أَنَّ الرُّوحَ الذي فِي عِيسَى هُو
رُوحُ اللهِ مِن ذَاتِهِ؛ فإذَا أرادَ أَنْ يُحْدِثَ أَمْرًا دَخَلَ فِي بَعضِ
خَلْقِه فَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِ خَلْقِه فَيَأْمُر بِمَا يَشَاءُ ويَنْهَى
عَمَّا يَشَاءُ، وهُوَ رُوحٌ غَائِبٌ عَنِ الأبْصَارِ، فَاسْتَدْرَكَ الجَهْمُ
حُجَّةً مِثل هذهِ الحُجَّةِ، فقال للسمنيِّ: أَلَسْتَ تَزْعُم أَنَّ فِيكَ
رُوحًا؟ قال: نَعم، قال: فَهَلْ رَأَيْتَ رُوَحَكَ؟ قال: لا، قال: فَهَلْ سَمِعْتَ
كَلامَهُ؟ قال: لا، قال: فَوَجْدَتَ له حَسًا ومَجْسًا؟ قال: لا، قال: كذلك اللهُ
لا يُرى لَه وَجْهٌ ولا يُسْمَعُ له صَوتٌ ولا يُشَمُّ له رَائِحَةٌ، وهو غَائِبٌ
عَنِ الأَبْصَارِ، ولا يَكُونُ في مكانٍ دُونَ مَكَانٍ.
وَسَاقَ الإمَامُ أحمدُ الكَلاَمَ فِي القُرآنِ والرُّؤيَةِ
وغيرِ ذَلكَ، إِلَى أَنْ قَال: ثُمَّ إِنَّ الجَهْمَ ادَّعَى أَمْرًا فَقَالَ:
إنَّا وَجَدْنَا آيةً فِي كِتَابِ اللهِ تَدُلُّ على القُرْآنِ أنهُ مَخلُوقٌ،
وقُلْنَا: أَيَّ آيةٍ؟ قال: قولُ اللهِ {إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ
مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ
مِّنۡهُۖ﴾[النساء: 171]،
وعِيسَى مَخْلُوقٌ: فُقلنا: إنَّ اللهَ مَنَعَك الفَهْمَ فِي القُرآنِ، عِيسَى
تَجْرِي عَليهِ أَلْفَاظٌ لا تَجْرِي عَلَى القُرآنِ؛ لأنه يُسَمِّيهِ مَولُودًا
وطِفلاً وصَبِيًّا وغُلامًا، يَأكُلُ ويَشْرَبُ، وهُوَ مُخَاطَبٌ بِالأَمْرِ
والنَّهْيِ، يَجْرِي عَليه الوعدُ والوعيدُ ثُمَّ هُو مِن ذُرِّيةِ نُوحٍ ومِن
ذُرِّيَةِ إبراهِيمَ،