ولا يَحِلُّ لنا أَنْ نَقُولَ
فِي القُرآنِ ما نَقُولُ فِي عِيسَى؛ هَلْ سَمِعْتُم اللهَ يَقُولُ فِي القُرآنِ
مَا قَالَ فِي عِيسَى؟ ولكنَّ المَعنى فِي قولِ اللهِ: {إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ
مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ﴾[النساء: 171]، فالكَلِمَةُ التي أَلْقَاهَا إِلَى مَريمَ حِينَ
قَالَ لَه: «كن» فكَانَ عِيسَى بِكُنْ، ولَيْسَ عِيسَى هُو الكُن، ولكنَّ بالكُنْ
كَانَ، فالكُنْ مِنَ اللهِ قَولٌ، وليسَ الكُنْ مَخْلُوقًا، وكَذَبَ النَّصَارى
والجَهْمِيَّةُ عَلَى اللهِ فِي أمرِ عِيسَى وذَلِكَ أَنَّ الجَهْمِيَّةَ قَالُوا:
عِيسَى رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُه، إلاَّ أنَّ الكَلِمَةَ مَخلُوقَةٌ، وقَالت
النَّصَارَى: عِيسَى رُوحُ اللهِ مِنَ ذاتِ اللهِ، كما يُقَال: أن هَذهِ الخِرقَةَ
مِن هذَا الثوبِ، وقُلنا نَحْنُ: أنَّ عِيسَى بالكَلِمَةِ كَانَ وَليسَ هُو الكَلِمَةَ،
قال: وقولُ اللهِ: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ﴾[النساء: 171]،
يَقُولُ: مِن أَمْرِه كَانَ الرُّوحُ فيه كَقَولِهِ: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ﴾[الجاثية: 13]، يَقُولُ: مِن أمْرِه، وتَفْسيرُ رُوحِ
اللهِ: أنها رُوحٌ بِكلِمَةِ اللهِ، خَلَقَها اللهُ كَمَا يُقَالُ: عبدُ اللهِ
وسَمَاءُ اللهِ، فقد ذَكَر الإمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّ زَنَادِقَةَ النَّصَارَى هُم
الذينَ يَقُولُونَ: أَنَّ رُوحَ عِيسَى مِن ذَاتِ اللهِ، وبيَّنَ أنَّ إضافَةَ
الرُّوحِ إضافةَ مِلكٍ وخَلقٍ، كقولكَ: عَبدُ اللهِ وَسَمَاءُ اللهِ، لا إِضَافَةَ
صفةٍ إلى مَوصُوفٍ؛ فَكَيفَ بِأرْوَاحِ الآدَمِيَّينَ؟ وبيَّن أنَّ هَؤلاءِ
الزَّنَادِقَةِ الحُلُولِيَّةِ يَقُولونَ بِأنَّ اللهَ إذا أرادَ أن يُحْدِثَ
أَمرًا دخَل فِي بعضِ خَلْقِه.
يُوَاصِلُ الشَّيخُ رحمه الله عن حَقِيقةِ الرُّوحِ فَيَقُولُ وقالَ الشَّيخُ أبو سعَيدٍ الخَرَّازُ أَحَدُ أَكَابِرِ المَشَائِخِ الأئمَّةِ مِن أقْرَانِ الجُنَيدِ فِيمَا صَنَّفَه مِن أَنَّ الأَرْوَاحَ مَخلُوقةٌ، وقد احتجَّ بأُمُورٍ منها: لو لَم تَكُن مَخْلُوقةً لَمَا أَقَرَّتْ بِالرُّبوبيَّةِ، وقد قَالَ لَهُم حينَ أخَذَ المِيثَاقَ وهُم أرواحٌ فِي أَشْبَاحٍ كَالذَّرِّ: