{أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ
بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ﴾[الأعراف: 172]، وإنما خَاطبَ الرُّوحَ معَ الجَسَدِ، وهل
يَكُونُ الربُّ إلاَّ لِمَربُوبٍ؟
قَال: ولأنَّها لَو لَم تَكُنْ مَخلوقةً مَا كانَ عَلَى
النَّصارَى لومٌ فِي عِبادَتِهِم عِيسَى، ولا حِينَ قَالُوا: إنَّه ابنُ اللهِ،
وقَالُوا: هُو اللهُ؟ قال: ولأنه لَو كَانَ الرُّوحُ غَيرَ مَخلُوقَةٍ ما دخلَتِ
النَّارُ، ولأنَّهَا لو كَانَتْ غَيرَ مَخْلُوقَةٍ لمَا حُجِبَت عنِ اللهِ ولا
غُيِّبَتْ فِي البَدَنِ ولا مَلَكَها مَلكُ المَوتِ ولمَا كانَتْ صُورةً تُوصَفُ،
ولأنَّها لَو لَمْ تَكُنْ مَخْلُوقَةً لَم تُحَاسَبْ وَلَم تُعَذَّبْ ولم
تَتَعَبَّدْ ولم تَخَفْ ولم تَرْجُ، ولأنَّ أَرواحَ المُسلمينَ تَتَلَألأُ
وأروَاحَ الكُفَّارِ سودٌ مثلٌ الفَحمِ، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ
طَيْرٍ خُضْرٍ تَرْتَعُ فِي الْجَنَّةِ وَتَأْوِي فِي فِنَاءِ الْعَرْشِ
وَأْرَوَاحُ الْكُفَّارِ فِي بَرْهُوتٍ» ([1]).
وقَالَ الشيخُ أبو يَعقُوبَ النهرَجُوريُّ: هَذِه الأَروَاحُ
مِن أَمْرِ اللهِ مَخلُوقةٌ، خَلَقَهَا اللهُ فِي المَلَكُوتِ، كَمَا خَلَقَ آدَمَ
مِنَ الترابِ، وكلُّ عَبْدٍ نَسَبَ رُوحَهُ إِلَى ذَاتِ اللهِ أَخْرَجَهُ ذَلكَ
إِلَى التَّعْطِيلِ، والَّذينَ نَسَبُوا الأَرْوَاحَ إِلى ذَاتِ اللهِ هُم أهلُ
الحُلولِ الخَارجُونَ إلى الإبَاحةِ، وقَالُوا: إِذَا صَفَتْ أَرْوَاحُنَا مِن
أَكْدَارِ نُفُوسِنَا فَقد اتَّصلْنَا وصِرْنَا أَحْرارًا، ووُضِعَتْ عَنَّا
العُبوديَّةُ، وأُبيحَ لنا كُلُّ شَيءٍ مِن اللَّذَاتِ مِن النِّسَاءِ
والأَمْوَالِ وغَيرِ ذَلكَ، وهُم زنَادِقَةُ هذه الأُمَّةِ.
ثم قالَ الشيخُ رحمه الله: واعْلَمْ أَنَّ القَائلينَ بِقِدَمِ الرُّوحِ صِنفانِ: صِنفٌ مِنَ الصَّابِئةِ الفَلاسِفَةِ، يَقُولُونَ: هِي قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لكنْ لَيْسَتْ مِن ذَاتِ الرَّبِّ، كَمَا يَقُولُونَ ذَلك فِي العُقُولِ والنُّفُوسِ الفَلَكِيَّةِ، ويَزْعُمُ مَنْ دَخَلَ
([1])أخرجه: الترمذي رقم (1641)، والدارمي رقم (2454)، وأحمد رقم (2388).