فِي المِللِ مِنهُم أنَّها
هِي المَلائِكَةُ، وصِنفٌ مِن زَنَادِقَةِ هَذِه الأُمَّةِ وضُلاَّلِهَا مِن
المُتَصَوِّفَةِ والمُتَكَلِّمَةِ والمُحْدِثَةِ يَزْعُمُونَ مِن ذَاتِ اللهِ
وهَؤُلاءِ أَشَرُّ قَولاً مِن أُولئكَ، وهَؤُلاءِ جَعَلُوا الآدَمِيَّ قِسْمَينِ:
نِصفُ لاهُوتٍ وهُو رُوحُه، ونِصفُ نَاسُوتٍ وهُو جَسدُه؛ نِصفُهُ رَبٌّ، ونصفُهُ عَبدٌ!
وقَدْ كَفَّر اللهُ النَّصَارَى بنحوٍ مِن هذَا القَولِ فِي المَسيحِ؛ فَكَيفَ
بِمَن يَعُمُّ ذلك فِي كُلِّ أَحَدٍ حتَّى في فِرعَونَ وهامَانَ وقَارُونَ؟
أَقُولُ: وهذَا الَّذي ذَكَره شيخُ الإسْلاَمِ مِن تَضْلِيلِ
الذينَ يُمَجِّدُون الرُّوحَ حتَّى يَزْعُمَ غُلاَتُهم أنها مِن ذَاتِ اللهِ
ويَذُمُّون البَدَنَ لأنه مخلُوقٌ مِن الطينِ، مِثلُهُم بعضُ الكُتَّابِ
الجُهَّالِ اليومَ الذينَ يُثنُون على الرُّوحِ ويزعُمُونَ أن ما يَفْعَلُه
الإنْسَانُ ويَتَّصِفُ به مِنَ الخَيرِ فهُو مِن تَأثيرِ رُوحِه، ويَذُمُّونَ البَدَنَ
لأنَّهُ مَخلُوقٌ مِن الطِّينِ ويُرجِعُونَ ما يفعَلُه الإنْسَانُ أو يتَّصِفُ به
مِن الشرِّ إلى تَأثيرِ بدنِهِ، فكَلاَمُهُم هذا يُشْبِهُ كَلامَ النصَارَى
وكَلامَ مَلاحِدَةِ الفَلاسِفَةِ، بل يُشْبِهُ قولَ إبليسَ: {أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ﴾[الأعراف: 12]
فإبليسُ ذَمَّ آدَمَ وتَنَقَّصَهُ لأنه مَخلُوقٌ مِن طينٍ، والحقُّ أنَّ الطينَ
منه ما هو طيِّبٌ لا ذمَّ فيه لأنه يُنتِجُ النباتَ الطيِّبَ والمَعَائِشَ الطيبةَ
والفَوَاكِهَ، ومنهُ ما هُو سَبَخٌ لا يُنْتِجُ شَيئًا، وبالجُملَةِ فالطِّينُ
كلُّه طاهِرٌ طَهُورٌ.
والرُّوحُ منها ما هُو روحٌ طَيِّبَةٌ وهِيَ رُوحُ المُؤمِنِ،
ومِنها ما هُو رُوحٌ خبيثةٌ، وهِيَ رُوحُ الكَافِرِ كما جاءَ فِي الحَديثِ،
فليْسَتِ الرُّوحُ كُلُّها طَيِّبَةٌ عُلوِيَّةٌ كما يَقُولُ هَؤُلاءِ الجُهَّالُ
وليسَ الطينُ والتُّرَابُ مَذمُومَينِ، وما يَفْعَلُه الإنْسَانُ ويتَّصِفُ به مِن
الخَيرِ فهُو نَتِيجَةُ دعوةِ الرُّسُلِ واتِّبَاعِهم، وما يَفْعَلُه ويتَّصِفُ به
مِن الشرِّ فهُو نَتِيجةُ مُخالَفَةِ الرُّسلِ، قال تعالى: {فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا
يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ﴾[طه: 123].