×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا[طه: 124] الآيات.

ثُمَّ قالَ شيخُ الإِسْلامِ رحمه الله: فالإِنْسَانُ عِبارةٌ عِن الرُّوحِ والبَدَنِ مَعًا، بل هُو بالرُّوحِ أَخَصُّ مِنه بالبَدَنِ، وإنما البَدَنُ مَطِيَّةٌ للرُّوحِ، كما قالَ أَبُو الدَّردَاءِ: إنَّمَا بَدَنِي مَطِيَّتِي، فإنْ رَفَقتُ بِها بَلَّغَتْنِي، وإنْ لَم أَرْفُقْ بِها لم تُبَلِّغْنِي، وقَد رَوَاهُ ابنُ مَندَه وغَيرُه عنِ ابنِ عبَّاسٍ، قال: لا تَزَالُ الخُصُومَةُ يَومَ القِيَامَةِ بَينَ الخَلقِ حَتَّى تَخْتَصِمَ الرُّوحُ والبَدَنُ، فَتَقُولُ الرُّوحُ للبدنِ: أنتَ عَمِلْتَ السيِّئَاتِ، فَيَقُولُ البدنُ للرُّوحِ: أنتَ أمَرتَنِي، فَيَبْعَثُ اللهُ مَلَكًا يَقْضِي بينَهُما؛ فيَقُولُ: إنَّما مَثَلُكُما كَمَثَلِ مُقْعَدٍ وأَعْمًى دَخَلاَ بُسْتَانًا، فَرَأَى المُقْعَدُ فيه تَمرًا مُعَلقًا، فقالَ للأَعْمَى: إِنِّي أَرَى ثَمَرًا ولكِنْ لا أَسْتطِيعُ النهوضَ إليهِ، وقَالَ الأعْمَى: لَكِنِّي أستَطِيعُ النُّهُوضَ إليه لكنِّي لا أَرَاه، فَقَال له المُقعَدُ: تَعَالَ فاحْمِلْنِي حتَّى أقطِفَه، فحمَله وجعَل يَأمُرُه فيَسِيرُ به إلى حيثُ يَشَاءُ فقطَفَ الثمرَةَ، قالَ المَلِكُ: فَعَلى أَيِّهِما العُقُوبَةُ؟ فَقَالا: عليهِمَا جَميعًا! قال: فكَذَلِكَ أَنتُما.

وأيضًا فقدِ اسْتَفَاضَتِ الأَحَادِيثُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأنَّ الأَرْوَاحَ تُقْبَضُ وتُنَعَّمُ وتُعَذَّبُ، ويُقَالُ لها: اخرُجِي أيَّتُها الروحُ الطيِّبَةُ كانت فِي الجَسَدِ الطيِّبِ! اخْرُجِي أيَّتُها الرُّوحُ الخَبِيثةُ كانتْ فِي الجَسَدِ الخَبيثِ! ويُقَالُ للأُولَى: أَبْشِري بِرَوْحٍ ورَيْحَانٍ، ويُقَالُ للثانيةِ: أَبْشِرِي بِحَميمٍ وغَسَّاقٍ وآخَرُ مِن شَكْلِهِ أزواجٌ، وأَنَّ أَرْوَاحَ المُؤمنينَ تَعْرُجُ إلى السَّمَاءِ، وأنَّ أَرْوَاحَ الكُفَّارِ لا تُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وفِي صحيحِ مُسلمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ شَقيقٍ عن أَبِي هُريرةَ رضي الله عنه قال: «إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَينِ يَصْعِدَانِ بِهَا - قَالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذِكْرِ المِسْكِ - قَالَ: فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَْرْضِ، صَلَّى


الشرح