يُولَدُ عَلَى مَا فُطِرَ
عَليهِ مِن شَقَاوَةِ وَسَعَادَةٍ، وهَذَا القَولُ لا يُنَافِي الأوَّلَ؛ فَإنَّ
الطِّفلَ يُولَدُ سَلِيمًا وقَد عَلِمَ اللهُ أنهُ سَيَكْفُرُ فَلا بُدَّ أنْ
يَصِيرَ إلى ما سَبَقَ لَه فِي أمِّ الكِتَابِ، كَمَا تُولَدُ البَهِيمَةُ
جَمْعَاءَ وقَد عَلِمَ اللهُ أنها سَتُجْدَعُ، وهذا مَعنى ما جَاء فِي - صَحيحِ
مُسلمٍ - عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيِ الْغُلاَمِ الَّذِي
قَتَلَهُ الخَضِرُ: طُبِعَ يوم طبع كَافِرًا، وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ
طُغْيَانًا وَكُفْرًا» ([1]) يعني طَبَعَه اللهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ - أي: كَتَبَه
وأثْبَتَه كَافِرًا - أي: أنه إِنْ عَاشَ كَفَرَ بِالفِعلِ.
ولِهَذا لَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عمَّن
يَمُوتُ مِن أَطفالِ المُشْرِكِينَ وهُو صَغِيرٌ قَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ([2])؛ أي: اللهُ يَعلمُ مَن يُؤمِنُ مِنهُم ومَن يَكْفُرُ لو
بَلَغُوا، ثُمِّ إنه قَد جَاءَ فِي حَديثٍ إسنادُهُ مُقَارِبٌ عَن أَبِي هُريرةَ
رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إِذَا كَانَ يَومُ الْقِيَامَةِ فَإنَّ اللهَ يَمْتَحِنُهُم وَيَبْعَثُ
إلِيَهِمْ رَسُولاً فِي عُرْصَةِ الْقِيَامَةِ؛ فَمَنْ أَجَابَهُ أَدْخَلَهُ
الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ أَدْخَلَهُ النَّارَ» ([3])فَهُنَالكَ يَظْهَرُ فيهِم ما عَلِمَهُ اللهُ سُبحانَهُ
ويَجْزِيَهُم علَى ما ظَهَر مِنَ العِلمِ، وهُو إِيمَانُهم وكُفرُهم لا على
مُجَرَّدِ العِلمِ، وهذا أجَوَدُ مَا قِيلَ فِي أَطفالِ المُشرِكينَ وعليهِ
تَتَنَزَّلُ جميعُ الأَحَادِيثِ.
ومَثَلُ الفِطرَةِ مَعَ الحَقِّ مَثَلُ ضَوءِ العَينِ مَعَ الشَّمسِ، وكلُّ ذِي عينٍ لَو تُرِكَ بِغَيرِ حِجَابٍ لَرَأَى الشَّمسَ، والاعْتِقَادَاتِ البَاطِلَةِ العَارِضَةِ مِن تَهَوُّدٍ وتَنَصُّرٍ وتَمَجُّسٍ مثلَ حِجابٍ يَحُولُ بَينَ البَصَرِ ورُؤيةِ الشمسِ،
([1])أخرجه: مسلم رقم (2661).