وقد قِيلَ فِي قولِه تَعَالَى: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ
ٱلۡوَرِيدِ﴾[ق: 16] أن المُرَادَ بِه المَلائِكَةُ، واللهُ قد جَعَلَ
المَلائِكَةَ تُلْقِي فِي نَفْسِ العَبدِ الخَوَاطِرَ، كما قَالَ عبدُ اللهِ بنُ
مسعودٍ: إنَّ للمَلكِ لِمَّةً، وللشيطانِ لِمَّةً ([1])فلِمَّةُ المَلكِ تَصِديقٌ بالحَقِّ وَوعدٍ بالخَيرِ،
ولِمَّةُ الشيطانِ تَكذيبٌ بالحَقِّ وإيعَادٌ بالشَّرِّ، وقد ثَبتَ عنه فِي
الصَّحيحِ أنه قَالَ: «ما مِنكُم مِن
أَحَدٍ إلاَّ وَقَدْ وُكِلَ بِه قَرِينُهُ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ وَقَرِينُهُ مِنْ
الْجِنِّ،، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ،
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَلاَ يَأْمُرُنِي إلاَّ بِخَيْرٍ» ([2]) فالسيَّئةُ التي يَهُمُّ بها العَبْدُ إذا كَانت مِن
إلقاءِ الشَّيطانِ عَلِمَ بها الشَّيطانُ، والحَسَنَةُ التي يَهُمُّ بِها إذا كَانَت
مِن إلقاءِ المَلَكِ عَلِمَ بها المَلَكُ أيضًا بِطَرِيقِ الأَوْلَى، وإذا عَلِم
بها المَلَكُ أَمْكَنَ عِلمُ المَلائِكَةِ الحَفَظَةِ لأعمالِ بَنِي آدَمَ.
وسُئِلَ رحمه الله عن عَرضِ الأَديانِ عِندَ المَوتِ؛ هل
لِذَلكَ أَصلٌ فِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ أم لاَ؟ وقولُه صلى الله عليه وسلم: «إنكم لَتُفْتَنُون فِي قُبُورِكُم» ([3])؛ ما المُرادُ بِالفِتنةِ، وإذا ارتدَّ العَبدُ -
والعِيَاذُ باللهِ - هل يُجَازَى بأعمَالِه الصالِحَةِ قَبلَ الرِّدَّةِ أم لا؟
فَأَجَابَ: الحَمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، أمَّا عَرضُ الأديانِ عَلَى الْعَبدِ وقتَ المَوتِ فَليسَ هُو أَمرًا عَامًّا لِكُلِّ أَحَدٍ، ولا هُو أيضًا مُنْتَفيًا عن كُلِّ أَحَدٍ، بل مِنَ الناسِ مَن تُعرضُ عَلَيهِ الأَديانُ قبلَ مَوتِه، ومِنهُم مَن لا تُعْرَضُ عليه، وقد وقَع ذلكَ لأقْوَامٍ، وهَذَا كلُّه مِن فِتنَةِ المَحيَا
([1])أخرجه: ابن حبان رقم (40)، والطبراني في «الكبير» رقم (2027).