والسؤال الثالث عن الكفار هل يُحاسبون يوم القيامة أم لا؟
فأجاب رحمه الله: هذه المسألة تنازع فيها المتأخرون من أصحاب
أحمد وغيرهم؛ فممن قال: إنهم لا يُحاسبون: أبو بكر عبد العزيز وأبو الحسن التميمي
والقاضي أبو يعلى وغيرهم، وممن قال: إنهم يحاسبون: أبو حفص البَرْمَكي من أصحاب
أحمد وأبو سليمان الدمشقي وأبو طالب المكي.
وفَصْل الخطاب: أن
الحساب يُراد به عَرْضُ أعمالهم عليهم وتوبيخهم عليها، ويراد بالحساب موازنة
الحسنات بالسيئات؛ فإن أُريد بالحساب المعنى الأول فلا ريب أنهم يحاسبون بهذا
الاعتبار، وإن أريد المعنى الثاني: فإن قصد بذلك أن الكفار تبقى لهم حسنات يستحقون
بها الجنة فهذا خطأ ظاهر، وإن أريد أنهم يتفاوتون في العقاب فعقاب من كَثُرت
سيئاته أعظم من عقاب من قَلَّت سيئاته، ومن كان له حسنات خُفف عنه العذاب، كما أن
أبا طالب أخفُّ عذابًا من أبي لهب، وقال تعالى {ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن
سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدۡنَٰهُمۡ عَذَابٗا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ﴾[النحل: 88]،
وقال تعالى: {إِنَّمَا ٱلنَّسِيٓءُ زِيَادَةٞ فِي ٱلۡكُفۡرِۖ﴾[التوبة: 37]،
والنار دركات؛ فإن كان بعض الكفار عذابه أشد عذابًا من بعض لكثرة سيئاته وقلة حسناته؛
كان الحساب لبيان مراتب العذاب، لا لأجل دخول الجنة.
السؤال الرابع: هل العبد المؤمن يكفر بالمعصية أم لا؟
فأجاب: لا يكفر بمجرد الذنب؛ فإنه ثبت بالكتاب والسُّنة وإجماع السَّلَف أن الزاني غير المُحصن يُجلد ولا يُقتل، والشارب يُجلد، والقاذف يُجلد، والسارق يُقطع، ولو كانوا كفارًا مرتدين وجب قتلهم، وهذا خلاف الكتاب والسُّنة وإجماع السلف.