ولا شفاء فيه، وأما الأول
فكيف يمكن أن يحرم بعد أن أمر الله تعالى به؟!
ورابعها: أبو يوسف
وإخوته خَرُّوا له سُجَّدًا، ويقال: كانت تحيتهم؛ فكيف يقال: إن السجود حرام
مطلقًا؟! وقد كانت البهائم تسجد للنبي صلى الله عليه وسلم والبهائم لا تعبد إلاَّ
الله؛ فكيف يقال: يلزم من السجود لشيء عبادته؟! وقد قال النَّبيّ صلى الله عليه
وسلم: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ
يَسْجُدَ لأَِحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا؛ لِعِظَمِ حَقِّهِ
عَلَيْهَا» ([1])، ومعلوم أنه لم يقل: لو كنت آمرًا أحدًا أن يعبد.
وسابعها وفيه التفسير، وهو أن يقال: أما الخضوع والقنوت بالقلوب والاعتراف بالربوبية
والعبودية فهذا لا يكون على الإطلاق إلاَّ لله سبحانه وتعالى وحده، وهو في غيره
ممتنع باطل، وأما السجود فشريعة من الشرائع إذا أمرنا الله تعالى أن نسجد له، ولو
أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير طاعة لله عز وجل إذا أحب أن
نعظم من سجدنا له، ولو لم يفرض علينا السجود له لم يجب البتة فعله؛ فسجود الملائكة
لآدم عبادة لله طاعة لله وقُرْبة يتقربون بها إليه، وهو أقدم تشريف وتكريم وتعظيم،
وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام.
ألا ترى أن يوسف عندما سجد لأبويه تحية لم يكره له؟! ولم يأت أن آدم سجد للملائكة، بل لم يؤمر آدم وبنوه بالسجود إلاَّ لله رب العالمين، ولعل ذلك - والله أعلم بحقائق الأمور - لأنهم أشرف الأنواع، وهم صالحو بني آدم، وليس فوقهم أحدٌ يَحْسُن السجود له إلاَّ لله رب العالمين، وهم أَكْفَاءُ بعضُهم لبعض؛ فليس لبعضهم مَزِيَّة
([1])أخرجه: أبو داود رقم (2140)، والترمذي رقم (1159)، والدارمي رقم (1463).