هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟» ([1])؛ بيَّنَ بذلك أنَّ استخْلافَ عليٍّ على المدينةِ لا
يقتضِي نقصَ المرتبة؛ فإنَّ موسى قد استخلَفَ هارون، وكان النَّبيّ صلى الله عليه
وسلم دائمًا يَستخلِفُ رجالاً، لكن كان يكونُ بها - أي: المدينة - رجال، وعامَ
تبُوك خرجَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بجميعِ المسلمين ولم يأذَنْ لأحدٍ في
التخلُّفِ عن الغَزَاة؛ لأنَّ العدوَّ كان شديدًا والسفرُ بعيدًا، وفيها أنزلَ
اللهُ سورةَ بَراءة.
وكتابُ أبي بكر في الصَّدقاتِ أجمعُ الكُتُبِ وأوجَزُها ولهذا
عمِلَ به عامةُ الفقهاء، وكتابُ غيرِه فيه ما هو متقدِّمٌ مَنسوخ؛ فدَلَّ ذلك على
أنَّه أعلمُ بالسُّنةِ النَّاسخة.
وفي الصَّحيِحين ([2]) عن أبي سعيد قال: كان أبو بكرٍ أعلمَنا برسولِ اللهِ صلى
الله عليه وسلم.
وأيضًا فالصَّحابَة في زمنِ أبي بكر لم يكونوا يتنازعون في مسألةٍ إلاَّ فصلَها بينهم أبو بكر وارتفعَ النِّزاع؛ فلا يُعرَف بينَهم في زمانِه مسألةٌ واحدةٌ تنازعوا إلاَّ ارتفعَ النزاعُ بينَهم بسببِه؛ كتنازُعِهم في وفاتِه صلى الله عليه وسلم ومدفنِه وفي ميراثِه وفي تجهيزِ جيشِ أسامةَ وقتالِ مانعي الزكاة، وغيرِ ذلك من المسائلِ الكِبار، بل كان خليفةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيهم يُعلِّمُهم ويُقوِّمهم ويُبيِّن لهم ما تزولُ معه الشُّبْهة فلم يكونوا معه يختلفون، وبعدَه لم يبلغْ علمُ أحدٍ وكمالهُ علمَ أبي بكر وكماله؛ فصاروا يتنازعون في الجدِّ والإخوةِ وفي الحرامِ وفي الطلاقِ الثلاث، وفي غيرِ ذلك من المسائلِ المعروفةِ مما لم يكونوا يتنازعون فيه في عهدِ أبي بكر، وكانوا
([1])أخرجه: البخاري رقم (4154)، ومسلم رقم (2404).