من هذه الأمةِ في العلمِ والدِّينِ وتقديمِهما على غيرِهما في
الخلافةِ والمرتبةِ ويرد على أحاديثَ مرويةٍ لا تصِحُّ فيقول: وأما قولُه: «أقضاكم
عليٌّ ([1]) فلم يَرْوِه أحدٌ من أهلِ الكُتبِ الستةِ ولا أهلِ
المسانيد المشهورة، لا أحمدَ ولا غيره بإسنادٍ صحيحٍ ولا ضعيف وإنَّما يُروَى من
طريقِ مَن هو معرُوف بالكَذِب، ولكن قال عمرُ بنُ الخطاب: أُبَيٌّ أقرؤنا، وعليٌّ
أقْضَانا، وهذا قاله بعدَ موتِ أبى بكر.
والذي في الترمذي وغيرِه أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«وَأَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلاَلِ
وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ بْنُ جَبَل وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدٌ بْنُ
ثَابِت» ([2])، والحديثُ الذي فيه ذِكْر علي مع ضعفِه فيه: «أَنَّ
مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَعْلَمُ بِالْحَلاَلِ وَالْحرام، وزيد بن ثابت أعلم بالفرائض»
([3])، فلو قدر صحة هذا الحديث لكان الأعلم بالحلال والحرام أوسع
علمًا من الأعلم بالقضاء؛ لأنَّ الذي يختصُّ بالقضاءِ إنما هو فصلُ الخصومات في
الظاهرِ مع جوازِ أن يكونَ الباطنُ بخلافِه؛ كما قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ،
وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإنَّمَا
أَقْضَي بِنَحْوِ مَا أَسْمَع، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا
فَلاَ يأخذه، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» ([4]).
فقد أخبرَ سيدُ القُضاةِ أن قَضَاءَه لا يحل الحرام، بلْ يحرُم على
([1])أخرجه: الترمذي رقم (2676)، وابن ماجه رقم (44)، والدارمي رقم (95).