×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 المسلمِ أنْ يأخذَ بقضائِه ما قضَى له به في حقِّ الغَير، وعلم الحلالِ يتناولُ الظاهرَ والباطنَ فكان الأعلمُ به أعلم بالدِّين.

·        وأيضًا فالقضاءُ نوعان:

أحدهما: الحكمُ عندَ تجاحُدِ الخصمين، مثل: أنْ يدَّعي أحدُهما أمرًا يُكذبه الآخر فيه فيحكم فيه بالبيَّنة ونحوِها.

والثاني: ما لا يتجاحدان فيه بل - يتصادقان - ولكن لا يعلمان ما يستحِقُّ كلٌّ منهما؛ كتنازُعِهما في قسمِ فريضة أو فيما يجِبُ لكلٍّ من الزوجين على الآخرِ أو فيما يستحِقُّ كلٌّ من الشَّريكين ونحو ذلك، فهذا البابُ هو من أبوابِ الحلالِ والحرام، فإذا أفتَاهما مَن يرضيان بقولِه كفَاهما ذلك ولم يحتاجا إلى من يَحكُم بينهما، وإنَّما يحتاجان إلى حاكمٍ عند التجاحُد، وذاك إنَّما يكونُ في الأغلبِ مع الفجور، وقد يكونُ مع النِّسيان، فأما الحلالُ والحرامُ فيَحتاجُ إليه كلُّ أحدٍ من بَرٍّ وفاجر، وما يختَصُّ بالقضاءِ لا يحتاجُ إليه إلاَّ قليلٌ من الأبرار، ولهذا كُلما أمَر أبو بكر عمرَ أن يقضيَ بين الناسِ مكَثَ حولاً لم يَتحاكَمْ إليه اثنان في شيء، ولو عُدَّ مجموعُ ما قضى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم من هذا النوعِ لم يبلغْ عشرَ حكومات، فأينَ هذا من كلامِه في الحلالِ والحرامِ الذي هو قُوامُ دينِ الإسلامِ يحتاجُ إليه الخاص والعام؟

وقوله: «أَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» ([1]) أقربُ إلى الصحةِ باتفاقِ علماءِ الحديث من قولِه: «أَقْضَاكُم عَلِيٌّ» ([2]) لو كان مما يُحتَجُّ به، وإذا كان ذلك أصحُّ إسنادًا وأظهرُ دِلالة؛ علم أن المُحتجَّ


الشرح

([1])الترمذي رقم (3790)، وابن ماجه رقم (155)، وأحمد رقم (12904).

([2])أخرجه: الترمذي رقم (2676)، وابن ماجه رقم (44)، والدارمي رقم (95).