بذلك على أن عليًا أعلمُ
من معاذٍ بن جبل جاهل؛ فكيفَ من أبي بكر وعمر اللذين هما أعلمُ من معاذٍ بن جبل؟
مع أنَّ الحديثَ الذي فيه ذِكْر معاذٍ وزيد يُضعِّفُه بعضُهم ويُحسِّنه بعضُهم،
وأمَّا الحديثُ الذي فيه ذِكْر عليٍّ فضعيف.
وأما حديث: «أنَا
مَدِينةُ العِلْم» ([1])، فأضعفُ وأوْهَى ولهذا إنَّما يُعَدُّ في الموضوعاتِ
المكذوبات، وإن كان الترمذي قد رَوَاه، ولهذا ذكرَه ابنُ الجَوزي في الموضوعات
وبين أنه موضوع من سائرِ طُرُقِه، والكذب يعرف من نفس متنه لا يحتاج إلى النظر في
إسناده؛ فإن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينةَ العلمِ لم يكن لهذه
المدينةِ إلاَّ بابٌ واحد، ولا يجوزُ أن يكونَ المُبلِّغُ عنه واحدًا؛ بل يجب أن
يكون المبلغ عنه أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب، ورواية الواحد لا
تفيد العلم إلاَّ مع قرائن وتلك القرائن إما أن تكون منتفية، وإما أن تكون خفية
على كثير من الناس أو أكثرهم؛ فلا يحِلُّ لهم العلمُ بالقرآن والسنة المتواترة،
بخلافِ النقلِ المتواتر الذي يحصُلُ به العلمُ للخاص والعام، وهذا الحديثُ إنما افتراه
زِنديقٌ أو جاهلٌ ظنه مدحًا، وهو مطرق الزنادقة إلى القَدْح في علمِ الدِّين إذا
لم يبلغْه إلاَّ واحدٌ من الصَّحابَة.
ثم إن هذا خلافُ المعلومِ بالتواتر فإن جميعَ مدائن المسلمين بلَغَهم العلمُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق عليٍّ رضي الله عنه أما أهلُ المدينة ومكة فالأمرُ فيهم ظاهر وكذلك أهلُ الشام والبصرة؛ فإن هؤلاء لم يكونوا يَرْوون عن علي إلاَّ شيئًا قليلاً، وإنما غالبُ علمِه كان في أهلِ الكوفةِ
([1])أخرجه: الترمذي رقم (3723)، والحاكم رقم (4637)، والطبراني في «الكبير» رقم (11061).