بَكْر ولَّى عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أبا عبيدة أميرًا على الجميع؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان
شديدًا في الله، فولى أبا عبيدة لأنه كان لينًا، وكان أَبُو بَكْر رضي الله عنه
لينًا وخالد شديدًا على الكفار فولى اللين الشديد، وولى الشديد اللين ليعتدل
الأمر، وكلاهما فعل ما هو أحب إلى الله تعالى في حقه.
فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق، وكان شديدًا على
الكفار والمنافقين، ونعته الله تعالى بأكمل الشرائع؛ كما قال تعالى: في نعت أمته: {أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ﴾[الفتح: 29]، وقال فيهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ
لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ﴾[المائدة: 54]، وقد ثبت في الصَّحيِح أن النَّبيّ صلى
الله عليه وسلم لما استشار أصحابه في أساري بدر ([1])، وأشار عليه أَبُو بَكْر أن يأخذ الفدية منهم وإطلاقهم،
وأشار عليه عمر بضرب رقابهم؛ قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَيُلَيِّنُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ
حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ البَزِّ، وَإِنَّ اللهَ لَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ
فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الصَّخْرِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ
كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: {فَمَن
تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾[إبراهيم: 36] وَإِنَّ
مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى قَالَ: {إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ
لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾[المائدة: 118]، وَإِنَّ
مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ: {لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا﴾[نوح: 26]، وَإِنَّ
مَثَلَكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ مُوسَى قَالَ: {رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ
قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ﴾[يونس: 88] »، وكانا في حياة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كما نعتهما
رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وزيريه من أهل الأرض.
وقد ثبت في «الصَّحيِح»: عن ابن عباس رضي الله عنه أن سرير عمر بن الخطاب لما وضع وجاء النَّاس يصلون عليه؛ قام ابن عباس فالتفت،
([1])أخرجه: أحمد رقم (3632)، والبيهقي في «الكبرى» رقم (12844).