فلما ابتني أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين كانت
النتيجة استجهال السابقين الأولين واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين بمنزلة
الصالحين من العامة لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم
الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله، ثم هذا القول إذا تدبره
الإنسان وجده في غاية الجهالة.
بل هو في غاية الضلالة كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيما
والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة
الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه أمرهم، حيث يقول:
لَعَمْرِي
لَقَدْ طُفْتُ المَعَاهِدَ كُلَّهَا |
|
وَسَيَّرْتُ
طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ العَوَالِمِ |
فَلَمْ
أَرَ إلاَّ وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ |
|
عَلَى
ذَقْنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمِ |
وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له، فما
صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم:
نِهَايَةُ
إِقْدَامِ العُقُولِ عِقَالُ |
|
وَأَكْثَرُ
سَعْيِ العَالَمِينَ ضَلاَلُ |
وَأَرْوَاحُنَا
فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا |
|
وَحَاضِرُ
دُنْيَانَا أَذَى وَوَبَالُ |
وَلَمْ
نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُوْلَ عُمْرِنَا |
|
سِوَى
أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا |
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي
عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: {ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾[طه: 5]، {إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ﴾[فاطر: 10]، واقرأ في النفي: {لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾[الشورى: 11]، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا﴾[طه: 110]، ومن جرب مثل تجربتي؛ عرف مثل معرفتي، اهـ...