زمن الأهواء والاختلاف حرف واحد يخالف ذلك لا نصًّا ولا ظاهرًا.
ولم يقل أحد منهم قط: إن الله ليس في السماء، ولا أنه ليس علي
العرش، ولا أنه بذاته في كل مكان، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا أنه
لا داخل العالم ولا خارجة، ولا أنه لا متصل ولا منفصل، ولا أنه لا يجوز الإشارة
الحسية إليه بالإصبع ونحوها، بل قد ثبت في «الصَّحيِح»: عن جابر بن عبْد اللهِ، أن
النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة في عرفات في أعظم مجمع حضره
الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول: «أَلاَ
هَلْ بَلَّغْتُ؟» فيقولون: نعم! فيرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إليه ويقول:
«اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ([1]) غير مرة.
فلئن كان الحق ما يقول هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة
في الكتاب والسنة من هذه العبارات ونحوها، دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصًّا
وإما ظاهرًا؛ فكيف يجوز على الله تعالى، ثم على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم على
خير الأمة أنهم يتكلمون دائمًا بما هو إما نص وإما ظاهر في خلاف الحق، ثم الحق
الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط، ولا يدلون عليه لا نصًّا ولا ظاهرًا، حتى تجيء
أنباط الفرس والروم وفروخ اليهود والنصارى والفلاسفة؛ يبينون للأمة العقيدة
الصَّحيِحة التي يجب على كل مكلف، أو كل فاضل أن يعتقدها؟
لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون المتكلفون هو الاعتقاد الواجب، وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم، وأن يدفعوا بما اقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصًّا أو ظاهرًا؛ لقد كان ترك النَّاس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع علي هذا التقدير!
([1])أخرجه: البخاري رقم (4403)، ومسلم رقم (1679).