×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 إلى أن قال رحمه الله: والمقصودُ هنا أنَّ ما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم لا يُدفعُ بالألفاظِ المجملةِ كلفظِ التجسيمِ وغيرِه مما قد يتضمنُ معنى باطلاً، إلى أن قال رحمه الله: وأما النزولُ الذي لا يكونُ من جنسِ نزولِ أجسامِ العبادِ فهذا لا يَمتنعُ أنْ يكونَ في وقتٍ واحدٍ لخلقٍ كثير، ويكونُ قدرُه لبعضِ الناسِ أكثر، بل لا يمتنعُ أنْ يقربَ إلى خلْقٍ من عبادِه دونَ بعض، فيقربُ إلى هذا الذي دعاه دونَ هذا الذي لم يدْعُه، وجميعُ ما وصَفَ به الربُّ عز وجل نفسَه من القُربِ فليس فيه ما هو عامٌّ لجميعِ المخلوقاتِ كما في المعيَّة، فإنَّ المعيةَ وصَفَ نفسَه فيها بعمومِ وخصوص، وأمَّا قربُه مما يقربُ منه فهو خاصٌّ لمن يقربُ منه كالداعي والعابد، وكقُربِه عشيَّةَ عرفة، ودنوِّه إلى سماءِ الدنيا لأجلِ الحجاج، وإن كانت تلك العشيَّةُ بعرفةَ قد تكونُ وسطَ النهارِ في بعضِ البلاد، وقد تكونُ ليلاً في بعضِ البلادِ، فإنَّ تلك البلادَ لم يدْنُ إليها ولا إلى سمائِها الدنيا، وإنما دنَا إلى السماءِ الدنيا التي على الحجاج، وكذلك نزوله بالليل، وهذا كما أنَّ حسابَه لعبادِه يومَ القيامةِ يحاسِبُهم كلَّهم في ساعةٍ واحدة، وكلٌّ منهم يخلو به كما يخلوا الرجلُ بالقمرِ ليلةَ البدرِ فيقرره بذنوبِه، وذلك المحاسِبُ لا يرى أنه يحاسب غيره، كذلك قال أبو رزين للنبيِّ صلى الله عليه وسلم لما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ أَنَّ رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قال: يا رسولَ الله، كيفَ ونحنُ جميعٌ وهو وَاحِد؟ فقال: سَأُنبئُك بمثلِ ذلك في آلاءِ الله، هذا القَمَر كلكم يرَاه مُخَليًا به، فالله أكبر» ([1]).


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (4731)، وابن ماجه رقم (180)، وأحمد رقم (16186).