×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 وهذا مُمتَنِع، وسواءٌ قام به أو لَم يَقُم به يَفتَقِر ذلك الخَلْقُ إلى خَلْقٍ آخَرَ ويَلزَم التَّسَلسُل، هذا عُمدَتُهم.

وجوابُ السَّلَف والجُمهُورِ عنها: بمَنْع مُقَدِّماتِها، كلُّ طائِفَة تَمنَع مُقَدِّمةً، ويَلزَمُهُم ذلك إِلزَامًا لا مَحِيدَ عنه:

أما الأولى: فقَولُهم: «لو كان قديمًا لزم قدم المَخلُوق» يَمنَعُهم ذلك مَن يَقُول بأنَّ الخَلْقَ فِعْلٌ قَدِيم يَقُوم بالخَالِق، والمَخلُوق مُحدَث، كما يَقُول ذَلِكَ مَن يَقُولُه مِن الكُلاَّبِيَّة، والحَنَفِيَّة والحَنبَلِيَّة والشَّافِعِيَّة والمَالِكِيَّة، والصُّوفِيَّة، وأَهلِ الحَديثِ، وقَالُوا: أَنتُم وَافَقْتُمونا على أنَّ إِرادَتَه قَديمَةٌ أزَلِيَّة مع تَأخُّر المُرادِ، كَذلِكَ الخَلْقُ هو قَدِيم أَزَلِيٌّ وإنْ كان المَخلُوقُ مُتَأخِّرًا، ومَهمَا قُلتُمُوه في الإِرادَةِ أَلْزَمْنَاكُم نَظِيرَه في الخَلْقِ، وهذا جَوابٌ إِلزَامِيٌّ جَدَلِيٌّ لا حِيلَةَ لَهُم فيه.

وأما المُقدِّمَة الثَّانِيَة: وهي قَولُهم: «لو كان حادِثًا قائِمًا بالرَّبِّ لَزِم قِيامُ الحَوادِثِ به وَهُو مُمْتَنِع» فَقَد مَنَعهم ذلكَ السَّلَفُ وأَئِمَّة أَهلِ الحَديثِ وأَساطِين الفَلاسِفَة، وكَثيرٌ من مُتَقدِّمِيهم ومُتَأخِّريهم، وكَثيرٌ مِن أَهلِ الكَلامِ كالهَاشِمِيَّة والكَرَّامِيَّة، وقالوا: لا نُسَلِّم انتِفَاءَ اللاَّزِمِ.

وأما الثَّالِثُ: فقَولُهُم: «وإنْ لم يَقُم به كان الخَلْق قائمًا بغَيرِ الخَالِق، وهذا مُمتَنِع»؛ فهذا لَم يَمنَعهُم إيَّاه إلاَّ طَوائِفُ مِن أَهلِ الكَلامِ المُعتَزِلَةِ وغَيرِهم.

فمِنهُم مَن قال: بل الخَلْقُ يَقُوم بالمَخلُوقِ.

ومِنهُم مَن يقول: بل الخَلْق ليس في مَحَلٍّ كما تَقُول المُعتَزِلَة البَصرِيُّون: فِعْلٌ بِإِرَادَةٍ لا فِي مَحَلٍّ، وهذا مُمتَنِع لا أَعرِفُه عَن أَحَد مِن السَّلَف وأَهلِ الحَديثِ والفُقَهاءِ والصُّوفِيَّةِ والفَلاسِفَة.


الشرح