×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

والأَمرُ مَصدَرٌ؛ فالمَأمُور به يُسمَّى أمرًا، ومِن هذا البابِ سُمِّي عِيسَى صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً؛ لأنه مفعولٌ بالكَلِمة وكائِنٌ بالكَلِمة، وهذا هو الجَوابُ عَن سُؤالِ الجَهمِيَّة لمَّا قالوا: عِيسَى كَلِمة الله فهو مَخلُوق، والقرآن إذا كان كَلامَ الله لم يَكُن إلاَّ مَخلُوقًا.

قال الشيخ في الرد عليهم: فإنَّ عيسى لَيسَ هو نَفْسَ كَلِمَةِ الله، وإنَّما سُمِّي بذلك لأنَّه خُلِق بالكَلِمة، على خِلافِ سُنَّة المَخلُوقين فخُرِقت فيه العَادَة، وقيل له: «كن» فكان، والقُرآن نَفْسُ كَلامِ الله.

فمَن تدبَّر ما وَرَد في بابِ أَسماءِ الله تعالى وصِفاتِه، وأنَّ دَلالَة ذلك في بَعضِ المَواضِع على ذَاتِ الله أو بَعضِ صِفاتِ ذَاتِه؛ لا يُوجِب أن يَكُون ذلك هو مَدلُول اللَّفظِ حيث وَرَد حتى يَكونَ ذلك طَرْدًا للمُثبِت ونقضًا للنافي، بل يُنظَر في كلِّ آيةٍ وحَديثٍ بخُصوصِه وسِياقِه وما يبيِّن مَعناهُ من القُرآنِ والدَّلالاتِ.

فهَذا أَصلٌ عَظيمِ مُهِم نافِعٌ في باب فَهْم الكِتابِ والسُّنَّة والاِستِدلالِ، والاِعتراضِ والجَوابِ، وطَرْدِ الدَّليلِ ونَقْضِه، فهو نافِعٌ في كلِّ عامٍّ خَبَرِيٍّ وإِنشائِيٍّ، وفي كلِّ استِدلالٍ أو مُعارَضة من الكِتابِ والسُّنَّة، وفي سائِرِ أدِلَّة الخَلْق.

فإذا كان العبدُ لا يَمتَنِع أن يتقرَّبَ من ربِّه، وأن يَقرُبَ مِنه ربُّه بأَحَد المعنيَيْن المتقدِّمَيْن أو بكِلَيهما «أي: قُربُه بذَاتِهِ، وقُربُه الذي من لَوازِم ذَاتِه»، لم يَمتَنِع حَمْلُ النَّصِّ على ذلك إذا كان دالًّا عليه؛ فإن لم يَكُن دالًّا عَلَيهِ لم يَجُز حَمْلُه، وإنِ احتَمَل هذا المَعنَى وهذا المَعنَى وَقَف، فجَوازُ إِرادَة المَعنَى في الجُملَة غَيرُ كَونِه هو المُراد بكلِّ نصٍّ.


الشرح