×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 الحديث الصَّحيح عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ عز وجل: الْعَظَمَةُ إِزَارِي، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ» ([1]).

وجملة ذلك: أنَّ الكمال الذي لا نصيب لغَيرِه فيه، ومِثلُ هذا الكمال لا يكون لغيره؛ فادِّعاؤُه مُنازَعة للرُّبوبِيَّة وفِرْيَة على الله.

ومعلوم أن النُّبُوة كمال للنَّبِيِّ وإذا ادعاها المُفتَرون كمُسَيْلِمَة وأَمثالِه كان ذلِكَ نقصًا منهم، لا لأنَّ النُّبُوة نقص، ولَكِنْ دَعواها ممَّن ليست له هو النقصُ، وكَذلِكَ لو ادَّعى العِلْم والقُدرة والصَّلاح مَن ليس مُتَّصِفًا بذلك كان مذمومًا ممقوتًا، وهذا يقتضي أن الرَّبَّ تعالى مُتَّصِف بكمال لا يَصلُح للمَخلُوق، وهذا لا يُنافِي أنَّ ما كان كمالاً للموجود من حيث هو موجود فالخالق أحقُّ به، ولكنْ يفيد أنَّ الكمال الذي يُوصَف به المَخلُوق بما هو منه إذا وُصِف الخالِقُ منه، فالذي للخالق لا يُماثِلُه الذي للمَخلُوق، وهذا حق؛ فالرَّبُّ تعالى مستحِقٌّ للكمال مُختَصٌّ به على وجهٍ لا يُماثِلُه فيه شيء، فليس له سَمِيٌّ ولا كُفْءٌ، سواء كان الكمال ممَّا لا يَثبُت منه شيء للمَخلُوق كربُوبِيَّة العباد والغِنَى المطلق ونحو ذلك، أو كان ممَّا يَثبُت منه نوع للمَخلُوق، فالذي يَثبُت للخالِقِ منه نوعٌ هو أعظَمُ ممَّا ثَبَت للمَخلُوق عظمةً هي أعظَمُ من فَضْل أعلى المَخلُوقات على أدناها.

ومُلَخَّصُ ذلك: أنَّ المَخلُوق يُذَمُّ منه الكِبْرِياءُ والتَّجَبُّر وتزكية نَفْسِه أحيانًا ونحو ذلك.

وقال رحمه الله: قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ[الأعراف: 180].


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2620).