×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وأمثال هذا الكلام الذي يَذكُر الرَّبُّ فيه عن نَفسِه بعضَ خَصائِصِه، وهو في ذلك صادق في إخباره عن نَفْسِه بما هو من نُعوت الكمال، وهو أيضًا من كماله؛ فإنَّ بيانه لعباده وتَعرِيفَهم ذلك هو أيضًا من كماله، وأما غَيرُه فلو أخبَرَ بمثل ذلك عن نَفْسِه كان مفتريًا كاذبًا، والكذب من أعظم النقائص والعيوب، وأمَّا إذا أخبر المَخلُوق عن نَفْسِه بما هو صادق فيه هذا لا يُذَمُّ مطلقًا، بل قد يُحمَد منه إذا كان في ذلك مصلحة كقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلاَ فَخْرَ» ([1])، وأمَّا إذا كان فيه مَفسدة راجِحة أو مُساوِية فيُذَمُّ لِفِعْلِه ما هو مَفسدة لا لكَذِبِه.

والرَّبُّ تعالى لا يفعل ما هو مذموم عليه، بل له الحَمدُ على كل حال، فكلُّ ما يفعله هو منه حَسَن جميل محمود.

وأمَّا على قول من يقول: الظلم منه ممتنع لذاتِهِ فظاهر، وأمَّا على قول الجُمهُور من أهل السُّنَّة والقَدَرِيَّة فإنَّه إنَّما يفعل بمُقتَضَى الحكمة والعدل فأخباره كلُّها وأَقوالُه وأفعاله كلُّها حَسَنة محمودة، واقِعَة على وجه الكمال الذي يستحِقُّ عَلَيه الحمد.

وله من الأمور التي يستحِقُّ بها الكِبْرِياء والعَظَمة ما هو من خَصائِصِه تبارك وتعالى؛ فالكِبْرِياء والعَظَمة بمنزلة كَونِه حيًّا قيومًا قديمًا واجبًا بنَفْسِه، وأنَّه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنَّه العزيز الذي لا يُنال، وأنه قهَّار لكلِّ ما سواه؛ فهذه كلُّها صفاتُ كمالٍ لا يستحِقُّها إلاَّ هو، فما لا يستحِقُّه إلاَّ هو كيف يكون كمالاً من غَيرِه، وهو معدوم لغَيرِه؟! فمَن ادَّعاه كان مُفتَرِيًا مُنازِعًا للربوبية في خَواصِّها، كما ثبت في


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2278).