وهذا كما في حق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال تعالى: {لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم
بَعۡضٗاۚ﴾[النور: 63]، فأمرهم أن يقولوا: يا رسول الله، يا نبي
الله، كما خاطبه الله بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ﴾[الأنفال: 64]، {يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ﴾[المائدة: 41]، لا يقول: يا مُحمَّدُ، يا أحمَدُ، يا أبا
القاسِمِ، وإن كانوا يقولون في الإِخبَارِ كالأذان ونَحوِه: أشهد أن مُحمَّدًا
رسول الله، كما قال تعالى: {مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ﴾[الفتح: 29]،
وقال: {وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ﴾[الصف: 6]،
وقال: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ﴾[الأحزاب: 40]؛ فهو سُبحانَه لم يخاطب مُحمَّدًا إلاَّ بنعت
التشريف كالرسول والنَّبيِّ والمزمِّلِ والمدثِّرِ، وخاطَبَ سائِرَ الأنبياء
بأسمائهم مع أنَّه في مقام الإخبار عنه قد يَذكُر اسمَهُ.
فقد فرَّق سُبحانَه بين حالَتَيِ الخطاب في حقِّ الرَّسول، وأمرنا بالتَّفرِيق بينهما في حقِّه، وكَذلِكَ هو المعتاد من عقول الناس إذا خاطبوا الأكابِرَ من العُلَماء والأُمرَاء والمشائخ والرؤساء؛ لم يخاطِبُوهم ويدعوهم إلاَّ باسمٍ حَسَن، وإن كان في حال الإخبار عن أحدهم يقال: هو إنسان وحيوان ناطق وجسم ومُحدَث ومَخلُوق ومربوب ومصنوع وابن أنثى، ويأكل الطَّعام ويشرب الشراب، لكن كلُّ ما يُذكَر من أسمائه وصفاته في حالِ الإخبار عنه يُدعَى به في حالِ مُناجَاتِه ومخاطَبَتِه، وإن كانت أسماءُ المَخلُوق فيها ما يدلُّ على نقصه وحُدُوثه، وأسماء الله ليس فيها ما يدلُّ على نقصٍ ولا حُدوثٍ، بل فيها الأحسن الذي يدلُّ على الكمال، وهي التي يُدعَى بها، وإن كان إذا أُخبِرَ عنه يُخبَر باسمٍ حَسَن أو باسم لا ينفي الحَسَن ولا يجب أن يكون حسنًا.