×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وقال تعالى: {قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ[يونس: 35]؛ فبيَّن سُبحانَه بما هو مستقِرٌّ في الفِطَر: أنَّ الذي يهدي إلى الحق أحقُّ بالاتباع ممَّن لا يهتدي إلاَّ أنه يهدِيَه غَيرُه، فلَزِم أن يكون الهادي بنَفْسِه هو الكاملُ دون الذي لا يهتدي إلاَّ بغَيرِه، وإذا كان لا بُدَّ من وُجودِ الهادي لغير المهتدي بنَفْسِه فهو الأكمَلُ.

قال تعالى في الآية الأخرى: {أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا[طه: 89]؛ فدلَّ على أنَّ الذي يَرجِع إليهم القَولَ ويملك الضُّرَّ والنفعَ أكمَلُ منه.

وقال إبراهيم لأبيه: {يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡ‍ٔٗا[مريم: 42]؛ فدلَّ على أن السميع البصير الغنيَّ أكمَلُ، وأنَّ المعبود يجب أن يكون كَذلِكَ.

ومثل هذا في القرآن متعدِّدٌ مِن وَصْف الأصناف بسَلْبِ صفات الكمال؛ كعدم التكلُّم والفعل، وعدم الحياة ونحو ذلك؛ مما يبيِّن أن المُتَّصِف بذلك مُنتَقَصٌ مَعِيبٌ كسائِرِ الجمادات، وأنَّ هَذِه الصفات لا تُسلَب إلاَّ عن ناقصٍ مَعِيبٍ، وأما ربُّ الخَلْق الذي هو أكمَلُ من كلِّ موجود فهو أحقُّ الموجودات بصفات الكمال، وأنَّه لا يستوي المُتَّصف بصفات الكمال والذي لا يتَّصِف بها، وهو يَذكُر أنَّ الجمادات في العادة لا تَقبَل الاتِّصاف بهذه الصفات؛ فمن جعل الواجِبَ الوُجودِ لا يَقبَل الاتِّصاف فقد جعله مِن جِنْسِ الأصنام الجامِدَة التي عابَهَا الله تعالى وعاب عابِدِيها.


الشرح