×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 ولهذا كانت القَرامِطَة الباطِنِيَّة مِن أَعظَمِ الناس شركًا وعبادَةً لغَيرِ الله؛ إذ كانوا لا يعتقدون في إلَهِهِم أنَّه يسمع أو يبصر، أو يغني عنهم شيئًا، والله سُبحانَه لم يَذكُر هَذِه النُّصوص لمُجرَّد تقرير صفات الكمال له، بل ذَكَرها لبيان أنه المُستَحِقُّ للعبادة دون ما سواه، فأفاد الأصلَيْن اللَّذَيْن بهما يتمُّ التوحيد وهما إثبات صفات الكمال ردًّا على أهل التعطيل، وبيان أنه المستحِقُّ للعبادة لا إله إلاَّ هو ردًّا على المشركين، والشِّرك في العالَم أكثَرُ من التَّعطيل.

ولا يلزم في إثبات التوحيد المنافي للإِشراكِ إِبطالُ قَولِ أهل التعطيل، ولا يلزم من الإثبات المُبطِل لقَولِ المُعطِّلة الرَّدُّ على المشركين إلاَّ ببيانٍ آخَرَ، والقرآن يُذكَر فيه الرَّدُّ على المُعطِّلَة تارةً كالرَّدِّ على فرعونَ وأمثالِه، ويُذكَر فيه الرَّدُّ على المشركين، وهذا أكثر؛ لأنَّ القرآن شفاء لما في الصدور، ومرض الإشراك أكثَرُ في الناس من مرض التعطيل.

وأيضًا: فإنَّ الله سُبحانَه أخبر أنَّ له الحمدَ، وأنه حميد مجيد، وأنَّ له الحمدَ في الأُولى والآخِرَة وله الحكم، ونحو ذلك من أنواع المحامد.

·        والحمد نوعان:

حمدٌ على إِحسانِه إلى عِبادِه وهو من الشكر.

وحمدٌ لما يستحِقُّه هو بنَفْسِه من نُعوت كماله، وهذا الحمدُ لا يكون إلاَّ على ماهو في نَفْسِه مستَحِقٌّ للحمد، وإنَّما يستحِقُّ ذلك مَن هو مُتَّصِف بصفات الكمال وهي أمورٌ وُجودية؛ فإنَّ الأمور العَدَمِيَّة لا حَمْدَ فيها ولا خيرَ ولا كمالَ.

ومعلوم أنَّ كلَّ ما يُحمَد فإنَّما يُحمَد على ما له من صفات الكمال، فكلُّ ما يُحمَد به الخَلْق فهو من الخالق، والذي منه ما يُحمَد عَلَيه هو 


الشرح