والحجة الثانية: اتَّفق
هو وبِشْر على أنه كان الله ولا شيء، وكان ولمَّا يفعلْ ولم يَخلُق شيئًا، قال له:
فبأيِّ شيءٍ أحدث هَذِه الأشياء؟ قال: أحدَثَها بقُدرتِه التي لم تزل، قال عبد
العزيز: فقلتُ: صدقْتَ أحدَثَها بقُدرَتِه التي لم تَزَل، أَفَلَيس نقول: إنَّه لم
يَزَل قادرًا؟ قال: بلى، فقلت له: أَفَنَقول: إنَّه لم يزل يَفعَل؟ قال: لا أقول
هذا، قُلتُ له: فلا بُدَّ أن يلزمك أن تقول: إنه خَلَق بالفِعْل الذي كان عن القُدرَة
وليس الفِعلُ هو القُدرَة؛ لأنَّ القُدرَة صِفة لله، ولا يقال: صِفَة الله هي
الله، ولا هي غَيرُ الله، قال بِشْر: ويَلزَمُك أنت أيضًا أن تقول: إن الله لم
يَزَل يَفعَل ويَخلُق؛ فإذا قلت ذلك ثَبَت أنَّ المَخلُوق لم يَزَل مع الله! فقلت
له: ليس لك أن تَحكُمَ عليَّ وتُلزِمَني ما لا يَلزَمُني، وتحكي عنِّي ما لم أَقُل
إنَّه لم يَزَل الخالق يَخلُق، ولم يَزَل الفاعل يَفعَل فتُلْزِمَني ما قُلتَ،
وإنَّما قلتُ: إنَّه لم يَزَل الفاعل سَيَفعَل، ولم يزل الخالق سيَخلُق؛ لأنَّ
الفِعْل صفة لله؛ يقدر عَلَيه ولا يَمنَعُه منه مانع.
قال بِشْر: وأنا أقول: إنه أحدَثَ الأشياءَ بقُدرَتِه، فقُلْ
أنت ما شِئْتَ.
قال عبد العزيز: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، قد أقرَّ بِشْرٌ أنَّ الله كان ولا شيءَ، وأنَّه أحدَثَ الأَشياءَ بعد أن لم تَكُن شيئًا بقُدرَته، وقلتُ: إمَّا أنَّه أحدَثَها بأَمرِه وقَولِه عن قُدرَتِه؛ فلا يخلو - يا أمير المؤمنين - أن يكون أوَّلَ خَلْقٍ خَلَقه الله بقولٍ قاله أو بإرادةٍ أرادها، أو بقُدرَة قدَّرها، وأيُّ ذلك كان فقد ثَبَت أنَّ هنا إرادةً ومريدًا ومرادًا، وقولاً وقائلاً ومَقُولاً له، وقدرة وقادرًا ومقدورًا عليه، وذلك كلُّه متقدِّمٌ قبل الخَلْق، وما كان قبل الخَلْق متقدِّمًا فليس هو من الخَلْق.