إمَّا قولِ الخَيرِ، أو الصُّماتِ؛ ولهذا كان قولُ الخَيرِ
خيرًا من السُّكوتِ عنه، والسُّكوتُ عن الشَّرِّ خيرًا من قَولِه؛ ولهذا قال الله
تعالى: {مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ﴾[ق: 18].
إلى أن قال رحمه الله: وأيضًا فهو مأمور إمَّا بقَولِ الخَيرِ
وإما بالصُّماتِ، فإذا عَدَل عمَّا أُمِر به من الصُّمَات إلى فُضولِ القول الذي
ليس بخيرٍ كان هذا عليه؛ فإنه يكون مكروهًا، والمكروه يُنقِصُه؛ ولهذا قال
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ
حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ» ([1])؛ فإذا خاض فيما لا يَعنِيه نقص من حُسْنِ إسلامه فكان
هذا عليه؛ إذ ليس من شَرْطِ ما هو عَلَيه أن يكون مُستَحِقًّا لعذاب جهنم وغضب
الله، بل نَقْصُ قَدْرِه ودَرَجَتِه عليه.
ولهذا قال الله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا
ٱكۡتَسَبَتۡۗ﴾[البقرة: 286]، فما يَعمَل أحد إلاَّ عَلَيه أو له؛ فإن
كان ممَّا أُمِر به كان له، وإلاَّ كان عَلَيه ولو أنَّه يُنقِصُ قَدْرَه،
والنَّفسُ طَبْعُها الحَرَكة لا تسكُنُ قطُّ، لكنْ قد عفا الله عمَّا حدَّث به
المُؤمِنون أَنفُسَهم ما لم يتكلَّموا به أو يَعمَلوا به؛ فإذا عَمِلوا به دخل
الأمرُ والنهيُ.
فإذا كان الله قد كرَّه إلى المؤمنين جَميعَ المعاصي، وهو قد حبَّب إليهم الإِيمَان الذي يقتضي جميع الطاعات، إذا لم يُعارِضْه ضدٌّ باتِّفاقِ الناس، وإذا كان قد كرَّه إلى المؤمنين المُعارِض كان المُقتَضِي للطاعة سالمًا من هذا المُعارِض، وأيضًا فإذا كَرِهوا جميع السَّيِّئات لم يَبْق إلاَّ حسنات أو مباحات، والمباحات لم تُبَحْ إلاَّ لأهل الإِيمَان الذين يستعينون بها على الطاعات، وإلاَّ فالله لم يُبِحْ قَطُّ لأحدٍ شيئًا أن يستعين به على كُفْرٍ ولا فُسوقٍ ولا عِصيانٍ.
([1])أخرجه: الترمذي رقم (2318)، وابن ماجه رقم (3976)، وأحمد رقم (1737).