×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وكَذلِكَ قال أبو البُحْتُرِيِّ ([1]): أَمَا إِنَّهم لم يُصَلُّوا لهم، ولو أَمَروهم أن يَعبُدُوهم من دون الله أَطاعُوهم، ولكنْ أَمَروهم فجَعَلوا حلالَ الله حرامَهُ، وحرامَهُ حلالَهُ، فأَطاعُوهم فكانت تِلْك الرَّبُوبِيَّة».

وقال الرَّبّيع بن أنس: «قلتُ لأبي العَالِيَة: كيف كانت تلك الرَّبُوبِيَّة في بني إسرائيل؟ قال: كانت الرَّبوبية أنَّهُم وَجَدوا في كتابِ الله ما أُمِروا به ونُهُوا عنه، فقالوا: لن نَسبِقَ أَحبارَنا بشيءٍ فمَا أَمَرونا به ائْتَمَرْنا وما نَهَوْنا عنه انْتَهَيْنا؛ فاستَنْصَحُوا الرِّجالَ ونَبَذوا كِتابَ الله وَراءَ ظُهُورِهم».

فقد بيَّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ عِبادَتَهُم إيَّاهم كانت في تحليلِ الحرامِ وتَحريمَ الحَلالِ، لا أنَّهم صلَّوا لهم وصاموا لهم ودَعَوهم من دون الله، فهذه عبادةٌ للرجال، وتلك عبادة للأَموالِ - يعني قوله: «وَتَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ ([2]) وَالدِّينَارِ...» الحديث -، وقد بينها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الله أن ذلك شرك بقوله: {لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ[التوبة: 31]، فهذا من الظلم الذي يدخل في قوله: {ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٢٢ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهۡدُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡجَحِيمِ ٢٣[الصافات: 22- 23].

فإن هَؤُلاءِ الذين أَمَروهم بهذا هم جميعًا معذبون، وقال: {إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ[الأنبياء: 98]، وإنَّما يخرج من هذا مَن عُبِد مع كَراهَتِه لأَِنْ يُعبَد ويُطاعَ في معصِيَة الله، فهم الذين سَبَقت لهم الحَسَنة، كالمَسيحِ والعُزيرِ وغيرهما، فأُولَئِك


الشرح

([1])أخرجه: ابن أبي شيبة رقم (34935).

([2])أخرجه: البخاري رقم (2887).