×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ولما قُيِّدت الشَّهادة على الناس وُصِفَت به الأُمَّةُ كُلُّها في قَولِه: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ[البقرة: 143]، فهذه شهادة مُقيَّدَة بالشَّهادة على الناس، كالشهادة المذكورة في قوله: {وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ[البقرة: 282]، وليست هَذِه الشهادة المُطلَقة في الآيَتَيْن، بل ذلك كقوله: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ[آل عمران: 140].

ثم انتقل الشَّيخ رحمه الله إلى بيان الفُروقِ بين الأَلفاظِ المَذمُومة، فقال: وكَذلِكَ لَفظُ المَعصِية والفُسُوق والكُفرِ، فإذا أُطلِقَت المَعصِية لله ورَسُولِه دَخَل فيها الكُفرُ والفُسوقُ، كقوله: {وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا[الجن: 23].

وقال تعالى: {وَتِلۡكَ عَادٞۖ جَحَدُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ[هود: 59]، فأَطلَق مَعصِيَتَهُم للرُّسُل بأنَّهُم عَصَوا هُودًا معصِيَةَ تكذيبٍ لجِنْسِ الرُّسل، فكانت المعصية لجِنسِ الرُّسُل كمَعصِيَة مَن قال: {فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ[الملك: 9].

ومَعصِيَةِ مَن كذَّب وتولَّى، قال تعالى: {لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى ١٥ ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ١٦[الليل: 15- 16]، أي: كذَّب بالخَبَرِ وتولَّى عن طاعة الأَمرِ، وإنَّما على الخَلْق أن يُصدِّقوا الرُّسل فيما أَخبَروا به، ويُطِيعوهم فيما أَمَروا، وكَذلِكَ قال في فرعون: {فَكَذَّبَ وَعَصَى ٰ[النازعات: 21]، وقال عن جِنسِ الكافِرِ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ٣١ وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ٣٢[القيامة: 31- 32]، فالتَّكذِيب للخَبَرِ، والتَّوَلِّي عن الأمر، وإنَّما الإِيمَان تصديق الرُّسُل فيما أخبَرُوا وطاعَتُهم فيما أَمَروا، ومنه قوله: {إِنَّآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ رَسُولٗا شَٰهِدًا عَلَيۡكُمۡ كَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ رَسُولٗا ١٥فَعَصَىٰ فِرۡعَوۡنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذۡنَٰهُ أَخۡذٗا وَبِيلٗا ١٦[المزمل: 15- 16].


الشرح