ولما قُيِّدت الشَّهادة على الناس وُصِفَت به الأُمَّةُ كُلُّها
في قَولِه: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ
وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾[البقرة: 143]،
فهذه شهادة مُقيَّدَة بالشَّهادة على الناس، كالشهادة المذكورة في قوله: {وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ﴾[البقرة: 282]،
وليست هَذِه الشهادة المُطلَقة في الآيَتَيْن، بل ذلك كقوله: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ﴾[آل عمران: 140].
ثم انتقل الشَّيخ رحمه الله إلى بيان الفُروقِ بين الأَلفاظِ
المَذمُومة، فقال: وكَذلِكَ لَفظُ المَعصِية والفُسُوق والكُفرِ، فإذا أُطلِقَت
المَعصِية لله ورَسُولِه دَخَل فيها الكُفرُ والفُسوقُ، كقوله: {وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ
فِيهَآ أَبَدًا﴾[الجن: 23].
وقال تعالى: {وَتِلۡكَ عَادٞۖ جَحَدُواْ بَِٔايَٰتِ
رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ﴾[هود: 59]،
فأَطلَق مَعصِيَتَهُم للرُّسُل بأنَّهُم عَصَوا هُودًا معصِيَةَ تكذيبٍ لجِنْسِ
الرُّسل، فكانت المعصية لجِنسِ الرُّسُل كمَعصِيَة مَن قال: {فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ﴾[الملك: 9].
ومَعصِيَةِ مَن كذَّب وتولَّى، قال تعالى: {لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى ١٥ ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ١٦﴾[الليل: 15-
16]، أي: كذَّب بالخَبَرِ وتولَّى عن طاعة الأَمرِ، وإنَّما على الخَلْق أن
يُصدِّقوا الرُّسل فيما أَخبَروا به، ويُطِيعوهم فيما أَمَروا، وكَذلِكَ قال في
فرعون: {فَكَذَّبَ وَعَصَى ٰ﴾[النازعات: 21]، وقال عن جِنسِ الكافِرِ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ٣١ وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ٣٢﴾[القيامة: 31- 32]، فالتَّكذِيب للخَبَرِ، والتَّوَلِّي
عن الأمر، وإنَّما الإِيمَان تصديق الرُّسُل فيما أخبَرُوا وطاعَتُهم فيما
أَمَروا، ومنه قوله: {إِنَّآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ رَسُولٗا
شَٰهِدًا عَلَيۡكُمۡ كَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ رَسُولٗا ١٥فَعَصَىٰ فِرۡعَوۡنُ
ٱلرَّسُولَ فَأَخَذۡنَٰهُ أَخۡذٗا وَبِيلٗا ١٦﴾[المزمل: 15- 16].