×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

قال تعالى: {مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ[النساء: 85]، والشَّافع الذي يُعِين غَيرَه فيَصِيرُ معه شَفْعًا بعد أنْ كان وِتْرًا؛ ولهذا فُسِّرت الشَّفاعة الحَسَنة بإعانَةِ المُؤمِنين على الجِهاد، والشَّفاعة السَّيِّئة بإِعانَةِ الكفَّار على قِتال المؤمنين، كما ذكر ذلك ابنُ جَريرٍ وأبو سُلَيمان.

وفُسِّرت الشَّفاعة الحَسَنة بشفاعة الإنسان للإنسان ليَجْتَلِبَ له نفعًا أو يُخَلِّصَه من بلاءٍ، كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد.

فالشَّفاعة الحَسَنة إعانة على خيرٍ يحبُّه الله ورسولُه من نَفْعِ مَن يستحِقُّ النَّفعَ ودَفْعِ الضُّرِّ عمَّن يستحِقُّ دَفْعَ الضُّرِّ عنه، والشَّفاعة السَّيِّئة إعانَتُه على ما يكرَهُه الله ورسوله كالشَّفاعة التي فيها ظلْم للإنسان أو منع الإحسان الذي يستحِقُّه.

وفُسِّرت الشَّفاعة الحَسَنة بالدُّعاء للمُؤمِنين، والسَّيِّئة بالدعاء عليهم.

وفُسِّرت الشَّفاعة الحَسَنة بالإصلاح بين اثنَينِ.

وكلُّ هذا صَحيحٌ، فالشَّافع زوجُ المَشفُوع له؛ إذ المَشفُوع عندَهُ من الخَلْق: إمَّا أن يُعِينه على بِرٍّ وتقوى، وإمَّا أن يُعِينه على إثمٍ وعُدوان، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة قال لأصحابه: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ» ([1]).

وتمامُ الكَلامِ يبيِّن أنَّ الآية - يعني: قوله تعالى: {ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ[الصافات: 22] - وإن تناوَلَت الظَّالم الذي ظَلَم بكُفرِه، فهي أيضًا متناوِلَة ما دون ذلك وإن قيل فيها: {وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ[الصافات: 22] ([2])؛


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1432)، ومسلم رقم (2627).

([2])أخرجه: البخاري رقم (2730).