{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ
يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ﴾[الأنعام: 82] شقَّ ذلك على أَصحابِ
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وقالوا: أيُّنا لم يَظلِم نَفسَه؟ فقال النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم: «إنَّما هُو
الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسمَعُوا إِلَى قَولِ العَبدِ الصَّالِحِ: {إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ﴾[لقمان: 13] ».
والذين شقَّ ذلك عَلَيهِم ظنُّوا أنَّ الظُّلمَ المَشروطَ هو
ظُلمُ العَبدِ نَفْسَه، وأنَّه لا يكون الأمن والاهتِداءُ إلاَّ لِمَن يَظلِم
نَفْسَه بهذا الظُّلمِ فشقَّ ذلك عَلَيهِم، فبيَّن صلى الله عليه وسلم لهم ما
دلَّهُم على أن الشِّركَ ظُلمٌ في كتاب الله وحينئِذٍ فلا يحصُلُ الأمن والاهتداء
إلاَّ لِمَن لم يَلْبِسْ إِيمَانه بهذا الظُّلمِ، ومَن لم يَلْبِسْ إِيمَانه بهذا
الظُّلمِ كان من أهلِ الأمن والاهتِداءِ، كما كان من أهل الاصطِفَاءِ في قوله: {ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ﴾[فاطر: 32] إلى قوله: {جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا﴾[فاطر: 33]، وهذا لا يَنفِي أن يُؤاخَذ أَحدَهُم بظُلمِ نَفْسِه
إذا لم يَتُب، كما قال تعالى: {فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا
يَرَهُۥ ٧وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ ٨﴾[الزلزلة: 7-
8].
وقال تعالى: {مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ﴾[النساء: 123].
وقد سأل أبو بكر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا
رسول الله، وأَيُّنا لم يَعمَلْ سوءًا؟ فقال: «يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ
تُصِيبُكَ اللأَّْوَاءُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ» ([1]).
فبيَّن أنَّ المُؤمِن الذي إذا تاب دَخَل الجنَّة قد يُجزَى بسيِّئاتِه في الدُّنيا بالمَصائِبِ التي تُصيبُه.
([1])أخرجه: أحمد رقم (68)، والحاكم رقم (4450)، وابن حبان رقم (2926).