شفاعةٍ ولا غَيرِها، فليس
له أن يتوكَّلَ على أحدٍ في أن يَرزُقَه، وإن كان الله يأتيه برِزْقِه بأسبابٍ،
كَذلِكَ ليس له أن يتوكَّل على غَيرِ الله في أن يغفِرَ له ويرحَمَه في الآخِرَة،
وإن كان الله يغفِرُ له ويرحَمُه بأسبابٍ من شفاعَةٍ وغَيرِها.
فالشَّفاعة التي نفاها القرآن مُطلَقًا ما كان فيها شِركٌ وتِلْك
مُنتَفِيَة مُطلَقًا؛ ولهذا أَثبَت الشَّفاعة بإِذنِه في مَواضِع، وتِلْك قد بيَّن
الرَّسول صلى الله عليه وسلم أنَّها لا تَكُون إلاَّ لأهلِ التَّوحيدِ والإِخلاصِ،
فهي من التَّوحيدِ، ومُستحِقُّها أهلُ التوحيد.
وأمَّا الظُّلمُ المقيَّد فقد يختَصُّ بظُلمِ الإنسان نَفسَه
وظُلم النَّاس بَعضِهم بعضًا، كقولِ آدمَ وحواءَ - عليهما السلام -: {رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا﴾[الأعراف: 23]، وقَولِ
موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي﴾[النمل: 44]، لكنَّ قَوْلَ آدَمَ ومُوسى إخبارٌ عن واقِعٍ
لا عُمُوم فيه، وذلك قد عُرِف ولله الحمد أنَّه ليس كفرًا.
وأما قولُه تعالى: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ
فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ﴾[آل عمران: 135]، فهو نَكِرة في سِياقِ الشَّرطِ يعُمُّ
كلَّ ما فيه ظلمُ الإنسانِ نَفْسَه، وهو إذا أَشرَك ثمَّ تاب، تاب الله عَلَيه، وقد
تقدَّم أنَّ ظُلمَ الإنسانِ لنَفْسِه يدخُلُ فيه كلُّ ذنبٍ كبيرٍ أو صغيرٍ مع
الإطلاق.
وقال تعالى: {ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ
ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم
مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ﴾[فاطر: 32]؛
فهذا ظالمٌ لنَفسِه مَقرونٌ بغَيرِه فلا يَدخُل فيه الشِّرك الأكبَرُ.
وفي «الصحيحين ([1]) عن ابن مسعود: أنَّه لمَّا نَزَلت هَذِه الآية:
([1])أخرجه: البخاري رقم (3429)، ومسلم رقم (124).