×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 واشْفَعْ تُشَفَّعْ! فيقول: «أيْ ربِّ أمَّتِي، فيَحُدَّ له حَدًّا فيُدخِلَهُم الجنَّة»، وكَذلِكَ في الثانية، وكَذلِكَ في الثالثة.

وقال له أبو هريرة: من أسعد بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» ([1]).

فتِلْكَ الشَّفاعة هي لأهلِ الإِخلاَصِ بإِذْن الله، ليست لِمَن أشرك بالله، ولا تكون إلاَّ بإذن الله.

وحقِيقَتُه: أنَّ الله هو الذي يتفضَّلُ على أهلِ الإِخلاصِ والتَّوحيد فيغفِرُ لهم بواسِطَة دُعاءِ الشَّافِعِ الذي أَذِن له أن يَشفَع ليُكرِمَه بذلك، وينالَ المقام المَحمُودَ الذي يَغبِطُه به الأوَّلون والآخرون صلى الله عليه وسلم كما كان في الدُّنيا يَستَسقِي لهم ويدعو لهم، وتِلْك شفاعةٌ منه لهم، فكان الله يُجِيب شفاعَتَه ودُعاءَهُ.

ثم عاد الشَّيخ إلى المَوضُوع الذي يتكلَّم عنه وهو الظُّلم، فقال: وإذا كان كَذلِكَ فالظُّلم ثلاثة أنواع: فالظُّلم الذي هو شِرْك لا شفاعَةَ فيه، وظُلمُ النَّاس بعضِهِم بعضًا لا بُدَّ فيه من إِعطاءِ المَظلُوم حقَّه، ولا يَسقُط حقُّ المَظلُوم لا بشفاعَةٍ ولا غَيرِها، لكنْ قد يَعفُو المَظلُوم عن الظَّالِم كما قد يُغفَرُ لظالِمِ نَفسِه بالشفاعة.

فالظَّالم المُطلَق ما له من شفيعٍ مُطاعٍ، وأمَّا الموحِّد فلم يَكُن ظالمًا مطلقًا بل هو موحِّد مع ظُلمِه لنَفسِه، وهذا إنَّما نَفَعه في الحقيقة إِخلاصُه لله، فَبِهِ صار من أهلِ الشفاعة.

ومَقصُود القُرآنِ بنَفْيِ الشَّفاعَةِ نَفْيُ الشرك، وهو أنَّ أحدًا لا يَعبُد إلاَّ الله ولا يدعو غيره ولا يسأل غَيرَه، ولا يتوكَّل على غَيرِه لا في


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (4206)، ومسلم رقم (193).