ولكنَّ هذا الظُّلمَ يتنوَّع؛ فمنه ظُلم لا يُغفَر إلاَّ
بالتوبة منه وهو الشِّركُ، وظُلم داخِل تحت المَشِيئَة قابِلٌ للمَغفِرة أو
التَّعذِيب بحَسَبِه ولا يُخَلَّد صاحِبُه في النار، بل يكون مآلُه إلى الجنَّة
بسَبَب تَوحِيده، وهو ظُلم العَبدِ نَفْسَه بالمَعاصِي التي هي دون الشِّركِ، وهذا
الذي ذَكَره الشَّيخ في هذا النوع هو مذهب أهلِ السُّنَّة والجماعة، خلافًا
للخَوارِج الذين يُكَفِّرون بالكبائِرِ التي دون الشِّركِ وخلافًا للمُعتَزِلَة،
الذين يقولون: إنَّ صاحِبَها في مَنزِلةٍ بين المَنزِلَتَيْن، ليس بمُؤمِنٍ ولا
كافِرٍ، وخلافًا للمُرجِئَة الذين يقولون: لا يضُرُّ مع الإِيمَان معصِيَةٌ،
وأمَّا ظُلمُ العَبدِ للنَّاس فإنَّه لا يُغفَر إلاَّ بمُسامَحَة المَظلومِين،
وإلاَّ فإنَّه لا بُدَّ من القِصاصِ للمَظلومِين من الظالم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن هذا الباب لَفْظُ الصَّلاحِ
والفَسادِ؛ فإذا أُطلِق الصَّلاح تناوَلَ جَمِيعَ الخَيرِ، وكَذلِكَ الفَسادُ
يتناوَلُ جَمِيعَ الشَّرِّ، وكَذلِكَ اسم المُصلِح والمُفسِد، قال تعالى في قصة
موسى: {أَتُرِيدُ أَن تَقۡتُلَنِي كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِۖ إِن تُرِيدُ
إِلَّآ أَن تَكُونَ جَبَّارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ﴾[القصص: 19].
{وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ
ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[الأعراف: 142].
وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ ١١أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ ١٢﴾[البقرة: 11- 12]، والضمير عائِدٌ على المُنافِقِين في قَولِه: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ﴾[البقرة: 8].