×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 وهذا مُطلَق يتناوَلُ مَن كان على عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن سيكون بعدهم؛ ولهذا قال سلمان الفارسي: «إنه عَنَى بهَذِه الآيَةِ قومًا لم يَكُونوا خُلِقوا حِينَ نُزولِها»، وكذا قال السدي عن أشياخه: «الفساد: الكفر والمعاصي»، وعن مجاهد: «ترك امتثال الأوامر واجتناب النواهي»، والقولان معناهما واحد، وعن ابن عباس: «الكفر»، وهذا معنى قول من قال: «النِّفاق الذي صَافَوا به الكفَّار وأَطلَعوهم على أسرار المؤمنين»، وعن أبي العالية ومقاتل: «العمل بالمعاصي»، وهو أيضًا عامُّ كالأَوَّلَيْن.

وقَولُهم: {إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ[البقرة: 11] فُسِّر بإنكار ما أقرُّوا به؛ أي: إنَّما نَفعَل ما أَمَرنا به الرَّسول، وفُسِّر بأنَّ الذي نَفعَله صلاحٌ ونَقصِد به الصَّلاح، وكِلاَ القَولَيْن يُروَى عن ابن عباس، وكلاهما حقٌّ؛ فإنَّهم يقولون هذا وهذا؛ يقولون الأول لِمَن لم يَطَّلِع على بَواطِنِهم، ويقولون الثَّاني لأَنفُسِهم ولِمَن اطَّلَع على بَواطِنِهم.

لكنَّ الثانِيَ يتناوَلُ الأوَّل؛ فإنَّ من جُملَة أَفعالِهم إِسرارُ خِلافِ ما يُظهِرون، وهم يرون هذا صلاحًا.

قال مجاهد: «أرادوا أن مُصافَاةَ الكفَّار صلاحٌ لا فسادٌ».

وقيل عن السُّدِّيُّ: «إنَّ فِعْلنا هذا هو الصَّلاح وتصديق مُحمَّد فسادٌ».

وقيل: أرادوا أن هذا صلاحٌ في الدنيا؛ فإنَّ الدولة إن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أَمِنوا بمُتابَعَته، وإن كانت للكفَّارِ فقد أَمِنوا بمُصافَاتِهِم.

ولأجل القولين قيل في قوله تعالى: {أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ[البقرة: 12]؛ أي: لا يَشعُرون أنَّ ما فَعَلوا فسادٌ لا صلاحٌ.


الشرح