فالحَقِيقَة العُرْفِيَّة: هي ما صار اللَّفظُ دالًّا فيها على المعنى بالعُرْفِ
لا باللُّغَة، وذلك المعنى تارةً يكون أعمَّ من اللُّغَوي وتارةً أخصَّ، وتارةً
يكون مُبايِنًا له لكنْ بينهما علاقة استُعمِل من أَجلِها.
فالأول: مِثلُ لفظ
الرقبة والرأس ونَحوِهما كان يُستعمَل في العُضوِ المَخصُوص ثم صار يُستعمَل في
جميع البدن.
والثَّانِي: مثل لفظ
الدَّابَّة ونَحوِها كان يُستعمَل في كل ما دبَّ ثم صار يُستعمَل في عُرفِ النَّاس
في ذَواتِ الأربع، وفي عُرفِ بعض الناس في الفَرَس، وفي عُرفِ بَعضِهم في الحِمار.
والثالث: مثل لفظ
الغائِطِ والظَّعِينة والرَّاويَة والمَزَادَة؛ فإنَّ الغائِطَ في اللُّغة هو
المكان المُنخَفِض من الأرض، فلمَّا كانوا ينتابونه لقَضاءِ حوائِجِهم سَمَّوا ما
يَخرُج من الإنسان باسمِ مَحَلِّه، والظَّعينة اسمُ الدَّابة، ثم سَمَّوا المرأة
التي تركب الدَّابَّة باسمها ونظائِرِ ذلك.
والمقصود: أنَّ هَذِه
الحَقِيقَةَ العُرْفِيَّة لم تَصِرْ حقيقةً لجماعَةٍ تَواطَئُوا على نَقْلِها،
ولكن تكلَّم بها بَعضُ النَّاس وأراد بها ذلك المعنى العُرْفِيَّ، ثمَّ شاع
الاستعمال فصارت حقيقة عُرفِيَّة بهذا الاستعمال؛ ولهذا زاد مَن زاد منهم في حدِّ
الحقيقة في اللُّغة التي بها التَّخاطُب.
ثم هم يعلمون ويقولون: أنَّه قد يَغلِب الاستعمال على بعض الألفاظِ، فيَصيرُ المعنى العُرفِيُّ أشهَرَ فيه، ولا يدلُّ عند الإطلاق إلاَّ عليه، فتَصيرُ الحقيقة العُرفِيَّة ناسخة للحقيقة اللُّغوية، واللَّفظ المستعمل في هذا الاستعمال الحادِثِ للعُرفِيِّ، وهو حقيقة من غير أن يكون لِمَا استُعمِل فيه ذلك تقدُّمُ وَضْعٍ، فعُلِم أنَّ تفسير الحقيقة بهذا لا يصحُّ.