وقد أطال الشَّيخ في هذا المَوضُوع - وهو إِنكارُ أن يَكُون في
اللُّغَة العَرَبِيَّة حَقِيقَة ومَجازٌ - وذلك لأُمورٍ:
أولاً: أنَّ هذا
التَّقسيم لا دَلِيلَ عَلَيه.
ثانيًا: أنَّه لم
يُعرَف عن أحدٍ من المُتَقَدِّمين.
ثالثًا: أنَّ هذا
التَّقسيم لا يصحُّ إلاَّ إذا عُلِم أصل وَضْعِ اللُّغة وأنَّه حدَّد للأَلفاظِ
معانِيَ ومُسمَّياتٍ إذا استُعمِلت فيها فذلك الاستعمال حقيقة، وإذا استُعمِلت في
غيرها فذلك الاستعمال مجازٌ، ومَن يُثبِت هذا التحديد؟ حيث رجَّح الشيخ رحمه الله
أنَّ اللُّغاتِ ليست تَوقِيفِيَّة حتى تتِمَّ هَذِه الدعوى، وذكر لذلك أمثلة،
وأجاب عن احتجِاجِ مَن احتجَّ بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ
كُلَّهَا﴾[البقرة: 31]، بأنَّه ليس المُراد تَعلِيمَه أسماءَ كلِّ
شيء إلى أن تقوم السَّاعة، وإنَّما علَّمَه أسماءَ أشياءَ معيَّنة اختَلَف
المُفَسِّرون في تَحدِيدِها؛ وعَلَيه فلا حُجَّةَ مع مَن قسَّم الكَلامَ إلى حقيقة
ومَجازٍ.
وحينئذٍ فكلُّ لفظٍ موجودٌ في كتاب الله ورسولِه، فإنَّه مقيَّد
بما يبيِّن معناه، فليس في شيء من ذلك مجازٌ، بل كلُّه حقيقة.
ولهذا لمَّا ادَّعى كثير من المُتأخِّرين أنَّ في القرآن مجازًا
وذَكَروا ما يَشهَد لهم ردَّ عليهم المُنازِعون جَمِيعَ ما ذَكَروه.
فمن أشهر ما ذكروه: قوله تعالى: {جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾[الكهف: 77]، قالوا: والجِدارُ ليس بحَيوانٍ، والإِرادَةُ
إنَّما تكونُ للحَيَوان؛ فاستِعمَالُها في مَيلِ الجِدار مَجازٌ.
فقيل لهم: لفظُ الإِرادَةِ قد استُعمِل في المَيلِ الذي يكون
معه شُعورٌ وهو مَيلُ الحيِّ، وفي المَيلِ الذي لا شُعورَ فيه وهو مَيلُ الجَمادِ،
وهو