والعُلَماء من المُفَسِّرين وغَيرِهم لهم في الأسماء التي
علَّمها الله آدمَ قَولاَنِ مَعرُوفانِ عن السَّلَف:
أَحَدُهُما: أنَّه إنَّما
علَّمه أسماء مَن يَعقِل، واحتَجُّوا بقَولِه: {ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ﴾[البقرة: 31]، قالوا: وهذا الضَّمير لا يكون إلاَّ لِمَن
يَعقِل، وما لا يَعقِل يُقال فيها: عَرَضَها.
ولهذا قال أبو العَالِية: «علَّمه أسماء المَلائِكَة»؛ لأنَّه
لم يَكُن حينئذٍ مَن يَعقِل إلاَّ المَلائِكَة، ولا كان إِبلِيسُ قد انفَصَل عن
المَلائِكَة ولا كان له ذرِّيَّة.
وقال عبد الرَّحمن بنُ زيدِ بن أَسلَمَ: «علَّمه أسماءَ
ذُرِّيَّتِه»، وهذا يناسب الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن النَّبي صلى الله
عليه وسلم: «أنَّ آدَمَ سَألَ رَبَّه أَنْ
يُرِيَه صُوَرَ الأَنبِيَاءِ مِن ذُرِّيَّتِه فرَآهُم ورَأى فِيهِم مَن يَبِصُ
فقال: يا ربِّ مَن هَذَا؟ قال: ابنُكَ دَاوُدَ» ([1])؛ فيَكُون قد أَرَاه صُوَرَ ذُرِّيَّتِه أو بَعضِهم
وأَسمائِهِم، وهذه أسماءُ أَعلامٍ لا أَجناسٍ.
والقول الثَّانِي: أنَّ الله علَّمه أَسماءَ كلِّ شيءٍ، وهذا قولُ
الأَكثَرِين كابن عباس وأصحابِهِ.
والدَّليل على ذلك: ما ثَبَت في «الصَّحِيحَين ([2]) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث
الشفاعة: «إنَّ النَّاسَ يَقُولُون: يا
آدَمُ، أَنتَ أَبُو البَشَر خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ
وعلَّمَك أَسماءَ كلِّ شيءٍ».
وأيضًا: قَولُه: {ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا﴾[البقرة: 31] لفظ عامٌّ مؤكَّد فلا يجوز تَخصِيصُه بالدَّعوى.
([1])أخرجه: الترمذي رقم (3076)، وأحمد رقم (2270)، والحاكم رقم (3257).