×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

والعُلَماء من المُفَسِّرين وغَيرِهم لهم في الأسماء التي علَّمها الله آدمَ قَولاَنِ مَعرُوفانِ عن السَّلَف:

أَحَدُهُما: أنَّه إنَّما علَّمه أسماء مَن يَعقِل، واحتَجُّوا بقَولِه: {ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ[البقرة: 31]، قالوا: وهذا الضَّمير لا يكون إلاَّ لِمَن يَعقِل، وما لا يَعقِل يُقال فيها: عَرَضَها.

ولهذا قال أبو العَالِية: «علَّمه أسماء المَلائِكَة»؛ لأنَّه لم يَكُن حينئذٍ مَن يَعقِل إلاَّ المَلائِكَة، ولا كان إِبلِيسُ قد انفَصَل عن المَلائِكَة ولا كان له ذرِّيَّة.

وقال عبد الرَّحمن بنُ زيدِ بن أَسلَمَ: «علَّمه أسماءَ ذُرِّيَّتِه»، وهذا يناسب الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أنَّ آدَمَ سَألَ رَبَّه أَنْ يُرِيَه صُوَرَ الأَنبِيَاءِ مِن ذُرِّيَّتِه فرَآهُم ورَأى فِيهِم مَن يَبِصُ فقال: يا ربِّ مَن هَذَا؟ قال: ابنُكَ دَاوُدَ» ([1])؛ فيَكُون قد أَرَاه صُوَرَ ذُرِّيَّتِه أو بَعضِهم وأَسمائِهِم، وهذه أسماءُ أَعلامٍ لا أَجناسٍ.

والقول الثَّانِي: أنَّ الله علَّمه أَسماءَ كلِّ شيءٍ، وهذا قولُ الأَكثَرِين كابن عباس وأصحابِهِ.

والدَّليل على ذلك: ما ثَبَت في «الصَّحِيحَين ([2]) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث الشفاعة: «إنَّ النَّاسَ يَقُولُون: يا آدَمُ، أَنتَ أَبُو البَشَر خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ وعلَّمَك أَسماءَ كلِّ شيءٍ».

وأيضًا: قَولُه: {ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا[البقرة: 31] لفظ عامٌّ مؤكَّد فلا يجوز تَخصِيصُه بالدَّعوى.


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (3076)، وأحمد رقم (2270)، والحاكم رقم (3257).

([2])أخرجه: البُخاريّ رقم (3440)، ومسلم رقم (193).