×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وقوله: {ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ[البقرة: 31]؛ لأنَّه اجتَمَع فيهم مَن يَعقِل ومَن لا يَعقِل فغَلَّب مَن يَعقِل.

وقال عِكْرِمَةُ: «علَّمَه أَسماءَ الأَجنَاسِ دون أَنواعِها؛ كقولك: إنسان وجنٌّ ومَلَك وطائر».

وقال مُقاتِلٌ وابنُ السَّائِبِ وابنُ قُتَيْبَة: «علَّمه أَسماءَ ما خَلَق في الأَرضِ من الدَّوابِّ والهَوامِّ والطَّيرِ».

وممَّا يدلُّ على أنَّ هَذِه اللُّغاتِ ليست مُتَلَقَّاةً عن آدَمَ: أنَّ أكثَرَ اللُّغاتِ ناقِصَة عن اللُّغَة العَرَبِيَّة، ليس عِندَهم أَسماءٌ خاصَّة للأَولادِ والبُيوتِ والأَصواتِ وغَيرِ ذلك ممَّا يُضافُ إلى الحَيَوان، بل إنَّما يَستَعمِلون في ذلك الإِضافَة، فلو كان آدَمُ عليه السلام علَّمها الجَمِيعَ لَعَلَّمها مُتَناسِبَة.

وأيضًا: فكلُّ أُمَّة ليس لها كتاب في لُغَتِها أيامُ الأُسبُوع، وإنَّما يُوجَد في لُغَتها اسمُ اليَومِ والشَّهرِ والسَّنَّة؛ لأنَّ ذلك عُرِف بالحِسِّ والعَقلِ فوَضَعت له الأُمَمُ الأَسماءَ؛ لأنَّ التَّعبيرَ يَتْبَعُ التَّصَوُّرَ. وأمَّا الأسبوع فلم يُعرَف إلاَّ بالسمع، لم يُعرَف أنَّ الله خَلَق السَّموات والأَرضَ في ستَّة أيامٍ، ثمَّ استَوى على العَرشِ إلاَّ بإِخبارِ الأنبياء الذين شَرَع لهم أن يَجتَمِعوا في الأُسبُوعِ يومًا يَعبُدون الله فيه، ويَحفَظُون به الأسبُوعَ الأوَّل الذي بدأ الله فيه خَلْق هذا العالَمِ؛ ففي لُغَة العَرَب والعِبْرَانِيِّين ومَن تلقَّى عنهم أيامَ الأُسبوعِ، بخِلافِ التُّرك ونَحوِهم فإنَّه ليس في لُغَتِهم أيامُ الأُسبوعِ؛ لأنَّهم لم يَعرِفوا ذلك فلم يُعَبِّروا عنه.

فعُلِم أنَّ الله أَلهَم النَّوع الإنسانِيَّ أن يُعَبِّر عمَّا يُرِيده ويَتَصَوَّرُه بلَفْظِه، وإنَّ أوَّل مَن عَلِمَ ذلك أبوهم آدَمُ، وهم عَلِموا كما عَلِم، وإن اختَلَفَت اللُّغاتُ.


الشرح