×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

وإنما وقع هؤلاء فيما وقعوا فيه من الشرك؛ لأنهم لم يعلموا المقصود بزيارة المسجد الحرام، وزيارة القبور، فالمسجد الحرام يُزار لأجل الصلاة فيه والعبادة فيه وأداء المناسك حوله، من حج أو عمرة، فهو وما حوله من المشاعر مكان للعبادة، وأما القبور فلا تُزار لأجل العبادة عندها كما تزار الكعبة لأجل العبادة عندها، إنما تزار لشيئين:

الشيء الأول: الدعاء للميت؛ لأنه بحاجة إلى من يدعو له، بحاجةٍ إلى دعوة صالحة تلحقه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَث: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ([1]) فهو بحاجة إلى الدعاء، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ [الحشر: 10]، وقال: ﴿وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ[محمد: 19]، فالمقبور إنما يُزار قبره من أجل الدعاء له، لا من أجل دعائه من دون الله، أو من أجل الدعاء عنده؛ إنما يدعو الإنسان عند القبر للميت فقط.

والأمر الثاني: الاعتبار بأحوال الأموات، وأن الإنسان يتذكر الموت ويتذكر الآخرة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلاَ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالآْخِرَةَ» ([2]).

كثير من القبوريين يسوّي الميت بالله عز وجل فيطلب منه ما لا يُطلَب إلاّ من الله سبحانه وتعالى يطلب منه مغفرة الذنوب وستر العيوب وقضاء الحاجات


الشرح

([1] أخرجه: مسلم رقم (1631).

([2] أخرجه: أحمد رقم (1236).