×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

عمر ذلك. وهذا من ابن عمر تَـحَرٍّ لمثل فعله، فإنه قصد أن يفعل مثل فعله، في نزوله وصلاته، وصَبِّه للماء وغير ذلك، لم يقصد ابن عمر الصلاة والدُّعاء في المواضع التي نزلها.

*****

قد ابتليت الأمم السابقة لما تخلوا عن دينهم الصحيح، بالتشبث بتتبع الآثار، فقد كانوا يتتبعون المواطن التي نزل فيها نبي من الأنبياء أو ولي من الأولياء، أو من صالحيهم، فيحيونها بالتردد عليها والتبرك بها، فكان ذلك سببًا في وقوع الشرك، وكل ذلك من كيد الشيطان لبني آدم، فالأمم لم تؤمر إلا باتباع آثار الرسل التي نزلت من السماء، كالوحي الذي نزله الله على رسله من كتبهم، والاقتداء بهم، هذا الذي أُمروا أن يتتبعوه ويتمسكوا به، قال تعالى: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ [البينة: 5] هذا الذي أُمرنا به، أن نحيي الدين، وأن نتمسك بتعاليمه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُْمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» ([1]).

وقد حذّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من التَّشبُّه بأهل الكتاب، ومن ذلك التشبه بهم في تعظيم الآثار والبناء عليها، وإحيائها، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلاَ فَلا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» ([2]). وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَان فِيهِمُ الرَّجُلُ


الشرح

([1] أخرجه: مسلم رقم (532).

([2] أخرجه: البخاري رقم (427)، ومسلم رقم (528).