وقد بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بتحقيق
التوحيد وتجريده، ونفي الشرك بكل وجه، حتى في الألفاظ، كقوله صلى الله عليه وسلم:
«لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ» ([1]).
وقال له رجل: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، فقال:
«أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ بَلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ» ([2]).
والعبادات التي شرعها الله كلها تتضمن إخلاص الدين كله
لله، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا
لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ
ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].
*****
قوله: «بعث الله نبيه محمدًا...» بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى التوحيد الخالص، والنهي عن الشرك بجميع أنواعه، كما بعث الأنبياء والمرسلين من قبله، كلهم اتفقت دعوتهم على الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم فصّل لنا الشِّرك بأنواعه، حتى الشرك بالألفاظ، وإن لم يعتقدها بالقلب، كأن يقول: ما شاء الله وشئت، وذلك أن يجمع بين الله وبين المخلوق بالعطف بالواو، التي تقتضي التشريك والمساواة، وهذا في اللفظ، والمؤمن لا يعتقد أن المخلوق شريك للخالق، لكن لما كان هذا اللفظ يقتضي التشريك نُهي عنه سدًّا للذريعة. ولذلك يؤتى بـ«ثم» التي هي للتَّرتيب والتراخي، فالعبد له مشيئة بلا شك، والله له مشيئة، لكنَّ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، ولذلك يؤتى بـ«ثم» التي هي للترتيب والتراخي، ولا يؤتى بـ«الواو» التي هي للتشريك والجمع.
([1]) أخرجه: الدارمي رقم (2741)، وأحمد رقم (20694).
الصفحة 1 / 376